ما الذي يجب فعله لمقاومة التطبيع؟، بل ما الذي يمكننا فعله لوقفه أو منعه أو الحد من آثاره؟، هل نستطيع مواجهة إرادة دولية جامحة لفرض سيادة (إسرائيل) على المنطقة؟
أسئلة حاضرة في كل نقاش أو حوار نخبوي أو شعبي في عالمنا العربي حتى الفلسطيني، وفي هذه الحال تتعدد الإجابات بتعدد الثقافات والأيدولوجيات، ولعلنا الفلسطينيين نستطيع أن ندعي أننا نمتلك الحافز الأكبر لتقديم الإجابة والمبادرة لمقاومة التطبيع كما نقاوم الاحتلال، فالتطبيع يعني شرعنة وجوده ومنحه مكافأة على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني واحتلاله الأرض العربية في الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية، وقتله عشرات العلماء في العراق ومجزرة بحر البقر في مصر (1970م) وحمام الشط في تونس (1984م)، ودماء مئات الشهداء العرب الذين قضوا دفاعًا عن فلسطين في حروب 1948 و1956 و1967 و1973م.
ما علينا فعله واجبًا لا فضلًا، وفعلًا لا قولًا يتلخص في مسارين أساسيين، هما: 1. إقناع الشعوب بخطر التطبيع على بلدانهم، 2. تعزيز المقاومة للاحتلال وإجراءاته.
إقناع الشعوب بخطر التطبيع على بلدانهم
فالتطبيع لن يحل المشاكل الداخلية لدول التطبيع، فـ(إسرائيل) كيان عنصري بطبيعته، ولا يقبل الشراكة أو التعايش إلا وفق منطق الاحتلال والتبعية، التحديات العربية الداخلية لا يمكن للعدو أن يحلها أو يسمح بذلك، فمن يغتصب الأرض ويدنس المقدسات ويزور التاريخ والتراث لا يمكن أن يكون شريكًا أو صديقًا أو جارًا مؤتمنًا، لا بد من المحافظة على حالة الوعي العربي أمام التزيين الإعلامي والتزوير الدعائي الذي يمارسه العدو وحملات التطبيع الرخيصة، حتى نمنح الشعوب القوة الذاتية لتفنيد ما يُعرض عليه من تضليل وتحريف تاريخي للأحداث والحقائق الوطنية والقومية والدينية أيضًا.
كل التجارب السابقة للدول التي طبعت تؤكد أن التطبيع لا يجلب الاستقرار السياسي أو التنمية الاقتصادية أو الرفاهية الاجتماعية لشعوبها، بل على العكس من ذلك تزداد الأزمات وتتفاقم المشاكل الداخلية، وتزداد الهوة بين بلدان المنطقة لمصلحة العدو الإسرائيلي.
تعزيز المقاومة للاحتلال وإجراءاته
المقاومة الميدانية هي أشد ما يؤثر في دحض مزاعم الاحتلال بـ"التعايش وطي صفحات الماضي"، وأن "(إسرائيل) دولة استقرار"، فمهما بذل العدو من جهد لمحاولة طمس وحشيته أو إخفاء خبثه وهمجية سلوكه العنصري؛ فإن المقاومة الميدانية قادرة على إظهار صورته الحقيقية، ومهما حاول إخفاء مستوطنيه وأصحاب الجدائل عن شاشات التلفاز؛ فإن شراهتهم للعدوان ومصادرة الأراضي وحرق الزيتون وقتل الأطفال بوحشية كما حدث مع الطفل محمد أبو خضير (2014م)، ستفضح إرهابهم وتظهر سوأتهم.
نحن بحاجة إلى بذل جهد أكبر من أجل كشف الوجه الحقيقي للإرهاب الصهيوني الذي يحاول الإسرائيليون إخفاءه خلف السترات الأنيقة وربطات العنق الزرقاء؛ ليرى المواطن العربي وجه قاتله والمسؤول عن كثير من مآسيه وفقره وجوعه، ومن يدبر بالليل والنهار من أجل استمرار عزلته عن تراثه وتاريخه،
إن أي فعل مقاوم للاحتلال وإجراءاته العنصرية كفيل بنفض غبار التطبيع وتبديد وهم التصالح مع الذئب وأنيابه.
مخطئ من يظن أن مقاومة التطبيع صولة أو ثورة يمكن أن تؤتي أكلها على عجل، فنحن بحاجة إلى جهد بحجم المأساة العربية التي لم تبدأ بالاحتلال ولن تنتهي بزواله؛ ففلسطين هي أرض عربية سرقها المشروع الاستعماري ليقيم (إسرائيل) بدعم الإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس -ولا تزال- على حساب مصالح دول المنطقة، وستبقى فلسطين عهدة أمة تملك تاريخًا من القوة والإرادة، وحضارة لا تعود إلا بها.