فلسطين أون لاين

الولد الصالح ثمرة حسن اختيار الزوج والزوجة

...
غزة- خاص "فلسطين"

ما أجملها من ابتسامة تتبعها ضحكة تتعالى شيئا فشيئا حتى ترسم الكثير من السعادة على ملامح الآباء والأمهات وتزيد هذه الابتسامة بالدين والتربية والأخلاق الحسنة... ليكون الوالد الصالح الذي يدعو لوالديه بالخير... وبالوقت ذاته تكون الابتسامة الأولى ما هي إلا شقاء حينما تنمو بالضلال والظلام على ملامح الأطفال التي تنمو يوماً بعد يوم في بيت بعيدًا عن كتاب الله تعالى وسنة نبيه "صلى الله عليه وسلم"، "تنقلت "فلسطين" كالنحلة بين زهرة وزهرة لتعطي قراءها خلاصة العسل الطيب في بعض أساسيات التربية الإسلامية للأبناء عبر حروف التربية الآتية.

اختيار الزوجة

كثير من الناس يظنون أن تربية الطفل تبدأ بالسنوات الأولى من العمر، لكن الدكتور ماهر أحمد السوسي عميد كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية، يخبرهم بأن هذا الأمر غير صحيح إنما تكون الخطوة الأولى لتربية الطفل باختيار أمه؛ بل إن حسن اختيار الأم هو حق من حقوق الطفل، ذلك أن التربية ليست أمراً هيناً، وإنما هي قوام تنشئة الأجيال التي يلقى على عاتقها ريادة المجتمع.

وهنا يذكر الزوج بضرورة حسن اختيار الزوجة وهذا ما أكد عليه النبي "صلى الله عليه وسلم" "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين ترتب يداك"، حيث نصّ الحديث على الصفات التي يرغبها الناس في الزوجة، وأرشد الحديث إلى ضرورة أن يكون الدين أول هذه الصفات.

وفي الوقت نفسه همس د.السوسي في مسامع أولياء النساء حديث الرسول "صلى الله عليه وسلم": "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض"، فكما خاطب الرجال في الحديث الأول وأرشدهم إلى اختيار الزوجات الصالحات، خاطب أولياء النساء في الحديث الثاني؛ وأرشدهم إلى أن يختاروا لبناتهم الرجال الصالحين؛ والسبب في ذلك أن الدين هو الحاكم على سلوك الناس وتصرفاتهم، وهو الضابط لهذا السلوك.

وتابع في همسه: "ثم إن الدين هو الذي يضع حدود العلاقة بين الأزواج، وبين حق كل واحد منهم ومن ثم واجباته، وهو الذي يرتب حقوق الذرية التي تكون نتاج هذا الزواج".

والبعض يسأل بعفوية فيها شيء من الجهل "لماذا صاحب الدين فالمهم الزواج على شرع الله تعالى؟" وقبل أن يكمل سؤاله وما يجول في عقله أسعفه د.السوسي برجاحة الإجابة "صاحب الدين لا بد أن يكون ملتزما بأحكام دينه، وعامل بما تقتضيه هذه الأحكام، وفي الإسلام أمر الآباء والأمهات بحسن تربية أبنائهم وحسن رعايتهم، حيث جاء في القرآن الكريم قول الله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ...)، فالزوج رجلاً كان أو أنثى مكلف بمقتضى هذه الآية بوقاية أهله، أي زوجه وأبناؤه، من هذه النار التي حذر الله تعالى منها، وغير الملتزم بأحكام الدين لا يستطيع أن يفعل ذلك، لأنه يجهل وقاية الأهل من هذه النار، ومن جهل أحكام دينه يجهل ذلك".

ويلخص د. السوسي معادلة التربية بأنها تربية الأبناء تبدأ عند اختيار أمهاتهم، فإن أحسن اختيار الأمهات حسنت التربية.

مجالس مؤلمة

وما أصعب أن تنبض قلوب الآباء والأمهات بالألم والأنين وهم يتحدثون عن سوء تصرفات أبنائهم وكلماتهم الجارحة التي تزيد من حجم الألم لديهم هنا يشاركهم د.السوسي بسماع أوجاعهم، ويذكرهم أن عقوق الأبناء قد سبقها في الغالب عقوق الآباء، أو سوء تربية في الصغر، أو يسبقه القدوة السيئة.

وذكرهم، أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب "رضي الله عنه" يشكو له عقوق ابنه، فاستدعى عمر "رضي الله عنه" هذا الابن وسأله عن سبب عقوقه لأبيه، فقال الابن: إن أبي قد منعني حقي: حيث أمره الشرع أن يحسن اختيار أمي، فاختار عبدة سوداء أماً لي، ثم إن الشرع أمره أن يحسن تسميتي، فسماني جُعلاً، وقد أمر أن يعلمني ما اعتاش به، فعلمني رعي الغنم، فنظر عمر "رضي الله عنه" إلى الأب، وقال: "لقد عققت ابنك قبل أن يعقك".

وأوضح، لهم أن عقوق الأبناء قد يكون سبقه عقوق للآباء أنفسهم، بحيث لا يتصور أن الابن الذي لم ينل حقه من أبيه أنه يقوم على طاعته بعد ذلك، وإن كثيراً من الآباء لا يجيدون تربية أبنائهم؛ بل هم يحسبون أن مجرد السعي على الرزق فقط، وتوفير المأكل والمشرب والملبس هو كل ما يحتاجه الولد من التربية، وما عدا ذلك يكتسبه الطفل ممن حوله بنفسه، وينسى أمثال هؤلاء أن التربية هي مراقبة وتعليم وتقويم للسلوك.

وعبر د.السوسي، عن ألمه اتجاه العديد من الآباء الذين يشتكون من تصرفات أبنائهم ويرجع سبب ذلك بأن الابن قد يفتقد القدوة الصالحة، ويرى أباه وهو يسيء إلى جده، فيحسب الابن أن هذا هو الصواب، وأن الأبناء لا يجب أن يحسنوا إلى آبائهم، وأن ما يقوم به الأب تجاه أبيه من الإساءة وعدم الأدب، هو الأصل الذي يجب أن يحتكم إليه الأبناء، فيشب الابن على هذا، ويعامل أباه كما كان أبوه يعامل أباه، والواقع قد بين لنا كثيرًا من هذه الصور.

حقوق الأبناء

وكل أب وأم ينتظران بأن يكون كل واحد من أبنائهما هو الوالد الصالح الذي يدعو لهما لكن لا بد أن يسبق ذلك مجموعة من الحقوق التي أقرها وأكد عليها إسلامنا العظيم وذكر بها د.السوسي الآباء قائلاً: "للطفل حقوق كثيرة كما بين العلماء: منها حسن اختيار أمه، ورعاية الأم عند حملها به، حتى لا تهزل فيصاب بأمراض تقعده بعد الولادة، وحسن تسميته، و ختانه، وإقامة العقيقة له، وأن ينشأ تنشئة حسنة، ومنها أن يعلمه طاعة الله ومحبته وتلاوة القرآن الكريم وأمور دينه ومحبة الرسول "صلى الله عليه وسلم" والاقتداء بسنته، ويوفر له الطعام والكساء والمأوى، وما يتداوى به عند مرضه ... وغير ذلك من الحقوق.

وبين أن التربية لا تكون مرة واحدة إنما تكون متناسبة مع عمر الطفل، ومتناسبة مع مدى إدراكه للأمور وفهمه لها، بحيث يتعلم الطفل بحسب إمكانياته، مع ملاحظة أن الطفل يبدأ بالإدراك منذ ولادته، وهذا ما يجب أن يدركه الآباء أنفسهم.

وأشار، إلى أنه قد دلّ على ضرورة تعليم الطفل بحسب إمكانياته ما جاء في مسند الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين"، حيث ورد الأمر بتعليم الصلاة من سبع سنين باللين واللطف لأن هذا الذي يصلح لهم، ثم بعد بلوغهم العاشرة يضربون عليها إن لم يستجيبوا.

وبعض الأبناء حينما يحدث معهم شيء يرجعون ذلك لفعل الأب أو الأم شيئا من الخطأ مع أحد، لكن أكد لهم د. السوسي، على أن الإسلام لا يؤخذ الإنسان بجريرة غيره، فليس من العدل أن يُسأل الإنسان عن ذنب لم يقترفه، يقول الله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، أي لا تحمل نفس ذنب نفس غيرها، وقول عز وجل: (كُلُّ نَفسٍ بِمَا كَسَبَت رَهِينَةٌ)، أي أن كل إنسان مرهون بعمله فقط لا بعمل غيره، وما يشاع بين الناس من مسؤولية الأبناء على أخطاء آبائهم ليس من الشرع في شيء.