لاتزال الأجواء الإيجابية الحذرة تخيم على نتائج تفاهمات حركتي حماس وفتح في إسطنبول، ولا يزال المواطن الفلسطيني ينتظر أن يرى النتائج على الأرض، في مواجهة تحديات حياته اليومية التي يفرضها الاحتلال من جانب، والصعوبات المعيشية نتيجة لاستمرار الانقسام منذ 14 عامًا من جانب آخر.
هذه الحقيقة الصريحة وهذا الحال المضطرب يضعان التفاهمات أمام اختبارات صعبة لا يمكن تجاهلها، حتى مع كامل الإدراك الوطني بأن تجاوز الخلافات الأيدولوجية في البيئة الثورية ليس بالأمر السهل أو السريع. فعناوين التفاهمات كما أعلنها الشيخ صالح العاروري (نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس) والسيد جبريل الرجوب (أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح) تختصر في عنوانين رئيسين: 1. الانتخابات (التشريعي والمنظمة والرئاسة)، 2. المقاومة الشعبية في الضفة الغربية.
أما الانتخابات فمعلوم أنها تعكس أصل الانقسام والملف الأصعب في اتفاق المصالحة منذ توقيعه في القاهرة (مايو 2011م)، وما تبع ذلك من حوارات واتفاقيات كلها فشلت في أن تصل بالمواطن الفلسطيني إلى صندوق الاقتراع فيما يتعلق بانتخابات المجلس التشريعي أو في المجلس الوطني فضلًا عن الرئاسة، ولا شك هي لا تزال تعاني فيتو أمريكيًّا وآخر عربيًّا مما يعرف بالرباعية العربية، استنادًا إلى مسوغات تتناقض مع كل ما هو فلسطيني ووطني. هؤلاء يعيدون استنساخ خطاب التخويف من "الإسلام السياسي" وترهيب "السلطة" وحركة فتح من أن حركة حماس إذا دخلت المنظمة فستهيمن عليها، كما هيمنت على المجلس التشريعي ثم الحكومة في انتخابات 25 يناير 2006م، وكأن من يفوز في الانتخابات بإرادة الشعب وقوة أوراقه السياسية وبرنامجه الانتخابي يكون مغتصبًا للسلطة ومنقلبًا على الدستور!
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن فوبيا الانتخابات لها دوافع ذاتية، نابعة من طبيعة الممارسة التنظيمية الداخلية لحركة فتح، مع الإشارة إلى خوف الحركة من نجاح حماس بالسيناريو نفسه لنجاح فتح نفسها، في دخول المنظمة بكل ثقلها وصولًا إلى الهيمنة الكاملة على كل مفاصلها، بعد أن كانت تراها عام 1965م "وليدة مؤتمر القمة العربية، وأنها سوف تنعكس عليها طبيعة التناقضات العربية" (وكالة وفا). وأما المقاومة الشعبية في الضفة فهي حتى هذه اللحظة لم تتجاوز بيان إعلان نفسها في 13 سبتمبر 2020م، فبعد أكثر من شهر على البيان التأسيسي الأول وإعلان فعاليات غضب مدة أسبوع؛ بقيت الضفة في المستوى الطبيعي للفعل المقاوم، ويكاد يكون محصورًا في مناطق معينة رد فعل على اقتحامات الاحتلال لها، وقيامه بعمليات الاعتقال التي لا يزال يمارسها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مدن وقرى الضفة الغربية ليل نهار.
وإذا كانت الانتخابات تعاني صعوبات حقيقية بدأت تطفو عل السطح، على شكل تسريبات متعددة الجهات، كلها مبنية على عدم الرغبة في بناء وحدة وطنية على أساس الشراكة السياسية والميدانية في مواجهة الاحتلال والتطبيع وصفقة القرن، فإن نجاح الجهد الوطني الذي انطلق بين حركتي حماس وفتح بمباركة فصائلية كاملة، سيعتمد على قدرة السلطة وحركة فتح على تخطي التحديات الداخلية والإقليمية، الرافضة لأي شكل من أشكال الشراكة مع حركة حماس، حتى لو كان على مستوى المقاومة الشعبية في مواجهة إجراءات الاحتلال فيما تعرف بمناطق ج في الضفة الغربية.
إن قوة الإرادة الوطنية في تجاوز سنوات الانقسام ومغادرة حقبة الاستبداد السياسي والتفرد في القرار الوطني لا بد من دعمها في مقابل كل الضغوط الداخلية والخارجية، التي لا تريد النجاح في إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني ليكون قادرًا على مواجهة التحديات الكبرى، المتمثلة في إجراءات الاحتلال والتطبيع وصفقة القرن الأمريكية، هذه إرادة ومسار وطني يجب أن يستمر رغم كل المعوقات والتحديات، لأنه ببساطة يضع الجميع أمام صراحة وطنية لا يمكن طمسها أو تجاهل حقيقتها أو حصرها بإرادة شخصية للعاروري والرجوب.