يبدو أن فرنسا تحاول زج أنفها بقوة لتثبيت الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وتمكين العدو من تنفيذ كافة مخططاته. التصريحات الصادرة عن سفير فرنسا في الكيان العبري غير الشرعي تفيد بأن فرنسا تريد تحديث موقفها من القضية استنادًا إلى ادعاءات ومزاعم واهية مثل: مطالب الفلسطينيين قبل خمسين عاما لا بد أن تتغير، الضعف الفلسطيني غير مسبوق، الموقف الدولي والعربي لا يخدم الفلسطينيين، وكذلك إمكانية أن يخسر الفلسطينيون كل شيء، ولذلك تؤكد فرنسا أنه بناء على تلك المعطيات لا بد من العودة فورا الى طاولة المفاوضات.
قبل أي شيء نذكر السفير الفرنسي اريك دانون بأن الحقوق الفلسطينية وليس "المطالب الفلسطينية" عمرها 72 عامًا، وبدأت مع الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين وليس 50 عامًا، كما يزعم، لن نسلم للافتراضات الفرنسية أو الافتراءات الغبية لكلّ من يحاول التلاعب بتاريخ الاحتلال وكأن المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948 حق شرعي للمحتل الإسرائيلي وأمر مفروغ منه.
كما نذكر دانون بأنّ الاحتلال الفرنسي للجزائر استمر نحو 130 عامًا، ورغم كل الجرائم الفرنسية التي استهدفت ارواح الجزائريين وهويتهم وثقافتهم ومقدساتهم، خرجت فرنسا ذليلة وبقيت الجزائر شامخة عصيّة على المحتلين، وهذا يعني أن الاحتلال مهما طال فإنه إلى زوال، وهذا يعني أيضًا أنه من الغباء أن يعتقد دانون بأن السنوات مهما طالت ستبدل أو تغير سُنة الحياة أو أنها ستمنع المسلم الفلسطيني من تحريره أرضه من النهر الى البحر.
الفلسطيني يزداد قوة يومًا بعد يوم في الدفاع عن أرضه وعرضه ومقدساته، ودولة الاحتلال الإسرائيلي تعيش أسوأ مراحلها وليس العكس، اليوم غزة محاصرة، ولكن لا يوجد فيها جندي إسرائيلي واحد غير الذين تحتفظ بهم المقاومة الفلسطينية، أي أنَّ دولة الاحتلال فرَّت من غزة وفرَّت من جنوب لبنان، وإن كان الحجر وبارودة صدئة قبل خمسين عامًا اليوم لديه ترسانة كافية لردع العدو الإسرائيلي وفرض شروطه عليه، ولولا تلك القوة التي تملكها المقاومة لما دعت فرنسا الأطراف إلى المفاوضات فورًا، فالورقة الفلسطينية الوحيدة التي تدفع أمريكا وفرنسا ودولة الاحتلال إلى التمسك بالمفاوضات هي المقاومة الفلسطينية.
أما فيما يتعلق بموقف بعض الأنظمة العربية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، فهذه من ثوابت الأنظمة العميلة التي ساعدت على قيام الكيان الإسرائيلي، وهذا أمر يعرفه كلّ فلسطيني منذ 70 عامًا، ولكن الجديد في الأمر أن الجميع يلعب على المكشوف، وهذا يعزز قوة الموقف الفلسطيني ولا يضعفه، لأنه وضع الأمور في نصابها وأعطى هامشًا كبيرًا للفلسطينيين للتحرك بحرية أكبر مما كانت عليه الأمور سابقًا، بالنسبة لموقف الإمارات تحديدا لا يقلقنا مطلقا ولا يعدل جناح بعوضة في معادلة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ولا يستحق التوقف كثيرًا عنده.