بات من الصعب على كل متابع لتطورات العلاقات الإسرائيلية الخليجية، أن يتجاهل الدور الكبير الذي يضطلع به الحاخامات اليهود في تعبيد الطريق نحو التطبيع بينهما، لنفوذهم المتنامي لدى ملوك وأمراء الخليج، أو وجودهم القوي داخل الإدارة الأمريكية، وهو ما تجلت مؤشراته عشية توقيع اتفاقيات (إسرائيل) والإمارات والبحرين.
يمكن رصد جملة من السلوكيات الخليجية تجاه (إسرائيل)، المتأثرة بضغوط لا تخطئها العين من المؤسسة الحاخامية اليهودية، التي اتضح أن لها نفوذًا بعواصم الخليج، وتمثل بعضها في إحياء الفعاليات اليهودية غير المسبوقة في هذه الدول المحافظة، وآخرها تدشين أول احتفال بعيد العرش في دبي.
في سلوك ديني بحت، وفور اتفاقية التطبيع، كشفت (إسرائيل) أن رجال أعمالها على اتصال بفنادق الإمارات، لتوفير الطعام اليهودي أمام سياحها، وأصدرت وزارة السياحة الإماراتية تعميمًا لمطاعمها بأن تجعل في مطابخها وجبة "كوشير"، وإعدادها وفقًا لمتطلبات قوانين التغذية اليهودية.
وأعلنت قطر التي تتحضر لضيافة مونديال 2022م توفيرها الأكل اليهودي الحلال؛ بسبب وجود زوار إسرائيليين ويهود من كل العالم لحضور هذا الحدث الرياضي الكبير.
في حين تواصل الإمارات الترويج لبناء أول كنيس يهودي على أراضيها، وهو جزء من مجمع كبير للأديان في أبو ظبي اسمه "منزل عائلة إبراهيم"، يشمل كنيسًا وكنيسة ومسجدًا، سيفتتح في 2022م.
ونشر ملك البحرين "إعلان التسامح الديني"، وأرسل نجله ولي العهد، لقراءته أمام 400 عضو من جميع الأديان في لوس أنجلوس، في حين شكل الحدث الأبرز ثاني يوم نقل ترامب السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وصول وفد من 24 رجل دين من البحرين في زيارة مفتوحة إلى (إسرائيل)، صحيح أنهم تلقوا الشتائم في أثناء دخولهم للمسجد الأقصى، لكنهم اختتموا زيارتهم بإضاءة شموع "حانوكا" عند سفح سور المدينة القديمة.
يرى التقدير الإسرائيلي أن هذا الدور الحاخامي سيجعل الوجود اليهودي في دول الخليج مطردًا، بحيث يفتتحون حسابات على وسائل التواصل، ويعطون مقابلات عن الحياة اليهودية، ويطلقون على أنفسهم تسميات "الجالية اليهودية".
وفي حين كتب رجال دين سعوديون عن المحرقة النازية ضد اليهود، إن نسخة من كتاب التوراة موجودة بمتحف أبو ظبي، وتحيى أعياد يهودية في المنامة، ما يدفع للتساؤل عمن يقف وراء هذه الموجة من التفاعل الخليجي مع قضايا يهودية بحتة، ذات طابع ديني صرف، ويشير بالضرورة إلى انفتاح خليجي غير مسبوق تجاه اليهود.
هذه عينة عشوائية من الشواهد الميدانية ذات الطابع الديني اليهودي التي تزامنت هي وإعلان التطبيع رسميًّا بين (إسرائيل) وبعض دول الخليج، وتشير إلى الدور الكبير الذي لعبه الحاخامات اليهود في تحقق هذا التطبيع، والانتقال به من الغرف المغلقة إلى المؤتمرات الصحفية العلنية.