مرّت 15 عاماً على اندحار قوات الاحتلال الإسرائيلي عن قطاع غزة، وهي تجر أذيال الخيبة والهزيمة بعدما رضخت لضغط المقاومة الفلسطينية وعملياتها النوعية المتتالية رغم إمكاناتها البسيطة آنذاك.
ويؤكد أصحاب نهج المقاومة أنها لم تكن "عبثية" يوما، حتى قبل اندحار الاحتلال من مستوطناته في غزة، التي كان يعدها في أهميتها كـ"تل أبيب" في داخل أراضي الـ48.
ويرى مراقبون أن المقاومة مرّت بمراحل تطويرية كبيرة، طيلة فترة وجود الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، كانت في بدايتها الحجر والمقلاع والمولوتوف مروراً بالعمليات الاستشهادية إلى أن وصلت قدراتها الهائلة في يومنا الحالي إلى دك (تل أبيب).
فقد حققت المقاومة الفلسطينية على مدار السنوات الماضية، إنجازات مهمة وتطورات عسكرية هائلة شهد لها العدو قبل الصديق، وخير دليل على ذلك، صواريخ المقاومة التي دّكت "قلب الكيان النابض" خلال العدوان الإسرائيلي عام 2014، وانتهاءً بتشكيل غرفة العمليات المشتركة التي شكّلت صفعة قوية للاحتلال.
وأمس، قال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في أثناء زيارته إلى مخيم عين الحلوة للاجئين في لبنان، إن "المقاومة في قطاع غزة تمتلك صواريخ لتدك بها (تل أبيب) وما بعد (تل أبيب)".
وفي 12 أيلول/ سبتمبر من عام 2000، اندحرت قوات الاحتلال من 21 مستوطنة كانت تشكل نحو 35% من مساحة قطاع غزة الذي لا تتعدى مساحته 360 كيلو متراً مربعاً، بعد ضغط المقاومة خاصة ما عُرفت بـ"حرب الأنفاق" التي استهدفت خلال السنتين اللتين سبقتا الاندحار مواقع حصينة لجيش الاحتلال في القطاع.
ويقول أستاذ العلوم الاستراتيجية والأمنية د.هشام مغاري، إنه "مع بداية انتفاضة الأقصى بدأ العمل الجماهيري في المرحلة الأولى ثم تحوّل بشكل سريع للعمل المقاوم باستخدام أدوات المقاومة مثل الخنجر ثم القوة المسلحة وصولاً للعمليات الاستشهادية والصواريخ".
ويوضح مغاري خلال حديثه مع "فلسطين"، أن هذا الأمر استمر طوال السنوات الخمس الأولى مع تصاعد في الإمكانات والمهارات التي يمتلكها المقاومون، مشيراً إلى أن مركز الثقل انتقل من الضفة الغربية لقطاع غزة منتصف عام 2004، خاصة في قضية استهداف المستوطنات.
ويبين أن انسحاب الاحتلال من غزة أعطى مساحة إضافية للمقاومة من حيث حرية التحرك والاتصال والتواصل، وتبادل الخبرات بطريقة أفضل وأقوى، إضافة لانسحابه من معابر رفح بما سمح لرجال المقاومة بالتواصل مع الخارج وتلقي الدعم سواء المادي أو الخبرات منهم.
وبحسب مغاري، فإن المقاومة أصبحت تصنّع سلاحها ذاتياً وظهر ذلك عام 2008 خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع، وتطّور بشكل متسارع حتى عام 2014 حينما وصلت صواريخ المقاومة لمنتصف (تل أبيب).
ويبيّن أن هذا الأمر ينسحب على رجال المقاومة الذين ارتفعت قدراتهم على المناورة وتقسيم أنفسهم لمجموعات ووجود هيكلية وتخصصية داخل المجموعات.
كما ساهم وجود حكومة منتمية لتيار المقاومة بهذا التطور للمقاومة، وصولا إلى التعاون والانسجام عام 2017 من خلال غرفة العمليات المشتركة ومسيرات العودة، عدا عن البُعد الفكري والأيديولوجي والمشروع الوطني بين فصائل المقاومة، بحسب مغاري.
ويتفق مع ذلك الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية د.رفيق أبو هاني، مؤكداً أن المقاومة واصلت تطور أدواتها وأساليبها منذ انتفاضة الأقصى وقبلها طيلة سنوات وجود الاحتلال على الأراضي الفلسطينية.
وبيّن أبو هاني خلال حديثه مع "فلسطين"، أنه في عام 2000 حينما تفجّرت انتفاضة الأقصى كانت مكنونات المقاومة تغلي في قلوب رجال المقاومة وكل أطياف الشعب الفلسطيني واستمرت في تلك الفترة وضربت العدو حتى اليوم.
ويوضح أن العدو خلال وجوده في قطاع غزة حتى عام 2005 تلقى ضربات من المقاومة رغم اغتيال الشخصيات وارتكاب المجازر إلا أن ذلك لم يثنِ الشعب الفلسطيني عن الاستمرار بانتفاضته.
ويصف تطور المقاومة بـ "المعجزة" كونه لم يكن له خط إمداد لأي من الدول سوى بعض التبرعات من الشعوب والدول، مستدركاً: "لكن كانت في يد المقاومة عناصر قوة وإرادة".