لا عبث في السياسة الصهيونية، ولا عشوائية، ولا ارتجال، فما يجري الآن هو نتاج جهد فكري خاصة حينما يتعلق الأمر بقضايا مصيرية استراتيجية ووجودية، فالخطط تُوضع بهدوءٍ بناءً على الطموحاتِ والأهداف، ويتم انتظار أو خلق الفرصة المناسبة لتحقيقها، فالقادةُ الصهاينة يسيرون بخطى ثابتة وبسريةٍ محكمة تجاه تحقيق أهدافهم، وحين يقطفون الثمار، فهم بين خيارين: إما الإعلان عنها، وإما إبقاؤها في مملكة الصمت المجدي، وهذا أو ذاك خضع للمصلحة العامة.
أحدث إنجازات دولة الإحتلال كشف اللثام عن طبيعة اللئام وإخراج العلاقة مع الإمارات ونقل الزواج منها من السري إلى العلني، وعقد إشهار جديد أمام الملأ "وعلى عينك يا تاجر".
التطبيع مع الإمارات هو حديث الساعة والمدينة، واستغرب الناس كيف القصة انقلبت وتحولت الرؤية الرسمية للعدو الصهيوني من عدوٍ إلى خصمٍ إلى جارٍ لا مفر من التعايش معه، إلى جارٍ مُرحب به، وله كل الاحترام والتقدير.
وهذا الاستغراب منطقي إلى حدٍ ما، فبالأمس القريب كنا نردد ما قاله الشاعر أمل دنقل "لا تصالح"، لكن وكما هي قاعدة الساسة الذين يصعدون لقطار السياسة بلا ضمير "لا ثوابت في السياسة"، وأضاف أحد أركان نظام الإمارات "لا أخلاق في السياسة"، فيتغير أغلبهم.
من زاوية أُخرى، ثمة سؤال، هل رغبة الكيان الصهيوني في تطبيع العلاقات مع من يرغب ويستطيع تأتي في إطار الوسيلة أم الغاية؟
من ينظر لطبيعة المصطلح المستخدم "التطبيع" يجده مصطلحًا جميلًا، فهو يشير لأن تكون العلاقة بين الطرفين طبيعية "وزي الفل ويا دار ما دخلك شر"، وللأسف "فينا سماعون لهم".
من خلال التأمل في أفكار وسلوكيات الكيان الصهيوني يتضح للقارئ والمتابع الموضوعي أن التطبيع هو وسيلة تهدف "إسرائيل" من خلالها تحقيق أهداف:
1- اختراق حالة الوحدة العربية وزيادة تشتيت الآراء، وهذا ما حدث مع مصر حين عقد السادات معاهدة السلام وأصبحت مصر في عزلة عربية، ثم توالت عمليات السلام والتطبيع.
2- إسقاط من تستطيع في شباكها بحجة أنها بوابة الدخول إلى البيت الأبيض ورضاها يمنحه فرصة البقاء أطول في كرسي الحكم.
3- خلق سوق اقتصادية لبضائعها وفق اتفاقيات تجارية وهذا يؤثر سلبًا على الدولة الأُخرى.
4- بناء قواعد أمنية لرصد تحركات من ترى أنهم بحاجة لمراقبة، خاصة الذين يدعمون الحق الفلسطيني قولًا وعملًا.
5- العمل على تغيير مناهج التعليم التي تنظر "لإسرائيل" على أنها دولة إجرامية إلى دولة محبة للسلام، وتغيير المفاهيم لما يخدمهم.
6- اختراق الساحة العربية في كل المجالات الرياضية والثقافية والتعلمية والسياحية وغيرها.
7- تضييق الخناق على المعارضة السياسية في الدول العربية.
8- إعادة إحياء دور الجالية اليهودية في الدول العربية ومنحهم فرصًا أفضل في المناصب والوظائف.
9- إعادة تشكيل ما تراه يناسبها من برامج وعلاقات الدولة المُطبع معها.
10- فتح المجال لرؤساء الدول المطبعة معها بزيارة الكيان الصهيوني وخاصة القدس، وهذا اعتراف علني بالقدس كعاصمة لدولة الاحتلال.
ختامًا: علينا جميعًا أن نتعامل مع الكيان الصهيوني وفق الرؤية القرآنية "وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ"، و"أوَكلما عاهدوا عهدًا نبذه فريق منهم"، وإلا سنبقى ندور في حلقة مفرغة.