في الوضع المستجد الذي ظهر على الساحة في قطاع غزة وظهور إصابات بفيروس كورونا، تضافرت الجهود لمكافحة فيروس كورونا من طواقم طبية ورجال أمن للأخذ بإجراءات وتدابير لازمة، مع دعوة المواطنين لالتزام الحجر المنزلي وحظر التجوال، فما الواجب الشرعي على كل طرف تجاه الآخر؟
الأستاذ المشارك في الفقه وأصوله بكلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية د. زياد مقداد يؤكد لصحيفة "فلسطين" أن الأطباء والطواقم التي تعمل في خدمة المرضى يقومون بعمل عظيم تجاه أبناء المجتمع، خاصة لتلك الفئة التي تحتاج إلى مساعدة وعون، وهي فئة المرضى.
ويضيف: لذلك إن حقهم على المجتمع بمختلف فئاته عظيم، من حيث تقديرهم واحترامهم والتماس الأعذار في حال وجد منهم نوع من التقصير في نظرنا، وكذلك واجب المجتمع نحوهم أن يراعي ما يقدمونه من أعمال تجاهه، خاصة في زمن الأوبئة الذي نعانيه منذ أيام.
ويقول مقداد: "هم ورجال الأمن من يتقدمون الصفوف لمواجهة الوباء رغم ما يمكن أن يلحقهم من احتمالات الإصابة، وقد وجدنا بالفعل عددًا من الأطباء والطواقم الطبية أصيبوا بهذا الوباء نتيجة مخالطتهم، فهم في الصفوف الأمامية لمواجهة الأوبئة، وبمنزلة استشهاديين في سبيل إنقاذ شعبهم، ينبغي أن يحملوا على الرأس تقديرًا ووفاء".
أما رجال الأمن فيلفت إلى أنه ينبغي أن نكون أبناءَ المجتمع في معاونتهم على ما يقومون به من حفظ الأمن وتطبيق إجراءات الوقاية، وقد وجدنا ثقل المهام الملقاة، إذ يصلون الليل بالنهار لمتابعة الذين لا يلتزمون بالإجراءات من أجل ردهم إلى جادة الصواب، والالتزام بالتعليمات.
ويبين مقداد أن أبناء المجتمع في غزة كانوا على وعي بقدر المسؤولية؛ ففي كثير من الأحيان وجدنا التحية والاستقبال البهيج لرجال الأمن الذين يقومون بضبط المجتمع، وتطبيق إجراءات الوقاية، فدورهم لا يقل عن دور الأطباء الذين تركوا بيوتهم وأهليهم لإنقاذ الوطن من هذا الوباء.
ويضيف: "إذا كان من واجب أبناء المجتمع تقدير الأطباء والوقوف بجانبهم بأي وسيلة من الوسائل وتقدير ما يقومون به، وواجبهم أن يكونوا عند مسؤولياتهم تجاه أبناء وطنهم، فلا ينبغي أن يتخلف أحدهم عن واجبه خوفًا من الإصابة بالمرض لكونه هذه مسؤولياته وتخصصاته، فمن يتخلف عن القيام فهو آثم ومرتكب جريمة بحق شعبه، لما يترتب من خطر على حفظ أنفس المجتمع المقدم على حفظ نفس واحدة".
بدوره يتحدث أستاذ الفقه وأصوله، الخطيب بوزارة الأوقاف أ.د. سلمان الداية، عبر صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك)، أنه لما كان موضوع الجائحة التي نزلت بالمجتمع متعلقًا بالصحة والأمن؛ فإن ولاة الأمر هم: علماء الطب، والأمراء في ميادين القيادة، وأقسامها المختلفة.
ويوضح أنه في ضوء ذلك إن الحق الشرعي اللازم من المجتمع جميع أفراده المتحقق فيهم شروط التكليف تجاه أهل الطب، والأمن، يتمثل في وجوب طاعتهم، وقبول نصحهم، وسرعة تنفيذ أمرهم؛ لقوله (تعالى): "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ"، (النساء: 59)، وهو حقيقة في الوجوب؛ إذ لا صارف يصرفه عن ذلك.
ويقول الداية: "ينبغي أن يعلم أن طاعتهم هي طاعة لله (تعالى) ولرسوله (صلى الله عليه وسلم)؛ لأنهما أمرا بذلك، ويعضد هذا حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي)".
ويشير إلى حفظ حقوقهم، ويدخل في ذلك حبهم ونصرتهم في الحق، والإخلاص لهم، وقبول نصحهم في المعروف، والدعاء لهم بدوام العافية والتوفيق؛ فعن تميم الداري (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ"، قُلْنَا: "لِمَنْ؟"، قَالَ: "لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ".
ويبين الداية وجوب إعانتهم، وتكثير سوادهم، وكف ضيعتهم، وإحاطتهم من ورائهم، ومنع النجوى الآثمة فيهم، وخلفهم في أهليهم خيرًا؛ فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ".
وقوله: (يكف عليه ضيعته) أي: يدفع عنه ما يضره في معاشه ورزقه، وأهله وولده، ويسهم فيما يحفظهم عليه؛ ليبقى آمنًا مطمئنًا، وقوله: (ويحوطه من ورائه) أي: يحفظه ويصونه، ويذب عنه، ويدفع عنه من يغتابه أو يلحق به ضررًا، ويعامله بالإحسان بقدر الطاقة، والشفقة، والنصيحة، وغير ذلك.
وذكر عن زيد بن خالد الجهني (رضي الله عنه) عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ؛ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ؛ فَقَدْ غَزَا".
ويوضح أنه يلحق بالغازي كل غائب عن أهله في مصلحة من مصالح بلده، كالأطباء، والرسل، والسفراء، ورجال الأمن، والشرطة، والخدمات؛ فيكفون في أهليهم من الخير؛ قال النووي: "وهذا الأجر يحصل بكل جهاد، وسواء قليله وكثيره، ولكل خالف له في أهله بخير من قضاء حاجة لهم، وإنفاق عليهم، أو مساعدتهم في أمرهم، ويختلف قدر الثواب بقلة ذلك وكثرته".