مع دخول الحصار على قطاع غزة عامه الـ15، والمفروض عليه عقابًا لشعبه، على خياره الديمقراطي، الذي اختار وعبر صناديق الاقتراع، وبإرادته الحرة، أن يُخرج المناضلين والفدائيين من ظلمات السجون إلى مقاعد الحكم والنفوذ.
قطاع غزة تلك البقعة الصغيرة المنفية المنسية المحاصرة المجوعة الفقيرة، تصر على إثبات حضورها، وتصرخ بأعلى صوتها، مستخدمة حبالها الصاروخية، لتقول لهذا العالم المنافق، إنه يوجد هنا شعب حر يريد العيش بكرامة، وأن يعود إلى دياره وأرضه التي هجر منها، إن عاجلًا أو آجلًا، فالحر لا ينسى وطنه، لا ينسى وعده، وفيًّ لقسمه، ولدماء من رحلوا، ولمن أُسروا، ولمن خُذلوا ومن ظُلموا.
في هذه الأثناء، يدخل العالم في فترة ترقب وتحفز بانتظار خيار ديمقراطي آخر، ولكنه في أكثر دولة تأثيرًا على مجريات الأحداث في العالم هذه المرة، إنها أمريكا التي تنتظر انتخاباتها المقررة بعد نحو عشرة أسابيع.
ربما كان على الدول التي اختارت أن تكون ذيول لإدارة ترامب في المنطقة القلق، قلق من انتظار إيران المتحفزة لرؤية الدخان الأبيض يتصاعد من صناديق الاقتراع، وهي تتمنى أن تشهد رحيل إدارة الرئيس دونالد ترامب، إدارة دشنت قدس الله عاصمة لكيان العدو، وتعاملت مع اشد الأزمات في العالم بمنطق الصفقات التجارية، طرحت صفقة القرن وكانت على وشك منح ما تبقى من أراضي الضفة كقربان للصهاينة على مذبح الانتخابات، إدارة لم تلتزم الثوابت الأمريكية التي التزمتها منذ سنوات طويلة تجاه شعبنا، إدارة بدأت بحرب ضد "أونروا" محاولةً تصفية قضية اللاجئين وشطب التمثيل الفلسطيني في واشنطن، إدارة تنتمي بشكل كامل لليمين المتطرف الصهيوني، الساعي لإقامة "إسرائيل الكبرى".
لترحل هذه الإدارة وتغيب معها حقبة الضغوط القاسية على إيران، لصالح إدارة أمريكية أكثر عقلانية وتعاونا، تدشن انفراجة في العلاقة بين طهران وواشنطن.
انفراجة يرجح أن تكون لها تداعيات ايجابية على الملفات المتأزمة منذ سنوات طويلة في الشرق الأوسط.
لا شك أن إرهاصات التغيير في شخصية سيد البيت الأبيض، باتت تثير فزعًا لدى عواصم عربية عدة، فبداية إدارة بايدن لمفاوضات دبلوماسية جديدة في الملف النووي الإيراني يدشن لتغيير صورة الشرق الأوسط، ما يرجح أن تكون له انعكاسات مباشرة وربما فورية، على الكثير من أزماته النازفة، بدءً من اليمن ولبنان وليبيا، مرورًا بسورية والعراق، وليس انتهاءً ربما بالأراضي الفلسطينية، ما قد يفتح الباب لعرض تسويات كبيرة، ستغير الأدوار التي تقوم بلعبها دول عربية وإقليمية، لصالح دول أخرى، بمهمات مغايرة.
ليس لدينا أوهام أن إدارة بايدن ستكون أقل صهيونية من إدارة ترامب، ولكن لدينا أمل أن تكون الإدارة الأمريكية القادمة أقل فجاجة في التنكر لحقوق البشر، إدارة أكثر التزامًا بالقوانين والاعراف الدولية في التعامل مع حقوق الشعوب.
الأمر الذي يفرض على غزة، آخر القلاع وآخر الحصون، أن تجتهد بالصراخ بأعلى صوتها، مستخدمة أقوى حبالها الصاروخية، صراخ يوظف الخلخلة في الساحة السياسية الصهيونية ويحيل حياتهم الى جحيم، صراخ يملأ الدنيا ضجيجا، ويصم آذان العواصم الخرساء، ويفرض على سيدهم في البيت الأبيض ايجاد حلول عادلة ومرضية.
فقد آن للفقر أن ينتهي، وآن للحصار أن يزول، وآن للمعاناة أن تتوقف، وآن للنزيف أن ينقطع، وآن للفرج أن يأتي، وللسعادة والرفاهية أن تتمرغ على فرشنا، وأن تمد رجليها.
ولا ننسى في هذا المقام أن نسجل لغزة فخرًا مستحقًّا، فيحق لغزة أن تباهي العالم وأن تفتخر، وهي ترى أكاسرة العالم وقياصرته يأتون ويرحلون، وهي ما زالت على عهدها باقية، لم تبدل ولم تغير، ولم تتنازل عن ثوابتها، ولم تخضع للضغوط والابتزاز، وأنها قابضة على جمرتي الدين والوطن، متمسكة بحقها التاريخي الديني والوطني بتحرير وطنها المقدس، متمسكة بسلاحها، تتحين لحظة نهضة الأمة من جديد، وبعث روح العزة والتحرر من الأغلال في أوصالها الميتة.