بداية يجب تثبيت حقائق باتت معروفة للجميع، تصدقها وقائع الميدان على أرض الواقع، خاصة فيما يتعلق بقائمة الحلفاء والأعداء للقضية الفلسطينية.
أولًا بات من البدهي أن استمرار الانقسام الفلسطيني مصلحة إستراتيجية عليا للعدو الصهيوني، فبفضل هذا الانقسام ينجح العدو في تمرير مختلف مخططاته التوسعية، على صعيد التوسع الجغرافي وضم الأراضي وتهويد الأرض والمقدسات، والاستمرار في الاستفراد بالقدس والضفة المحتلة، وعزل غزة في (كانتون) محاصر فقير.
وكذلك على صعيد التوسع الإقليمي عبر ضم قائمة دول أخرى إلى قطار التطبيع العلني مع الكيان، وإخراج علاقات كيان العدو مع دول عربية كثيرة، من أقبية الظلام إلى نور الحقيقة لتعرية عار العرب.
ثانيًا بات من المؤكد أن بعض الدول العربية ذات مصالح إستراتيجية مع كيان العدو، وهي مصالح وجودية، مرتبطة ارتباطًا تبادليًّا، فإن من وضع مخططات سايكس بيكو لتقسيم المنطقة، قد ضمن خلال تقسيمه الوطن العربي خلق كيانات عربية تحت مسمى دول وممالك وإمارات، لضمان ولادة كيان العدو، ثم ضمان بقائه واستمراره.
مع تثبيت حقيقة أن استمرار أو بقاء أي حاكم أو رئيس أو ملك عربي على كرسي الحكم، مرتبط ارتباطًا وجوديًّا بحرصه وعمله المخلص على بقاء وسلامة وأمن كيان العدو، لذلك رأينا كيف قضوا على صدام حسين ثم محمد مرسي ومن قبلهما الملك فيصل، عندما حاولوا مخالفة المحددات المرسومة لحكام العرب.
فما إن لوح عباس بالمصالحة مع حماس، وعقد أول لقاء للأمناء العامين في بيروت ورام الله، ثم عقد حوارات المصالحة في تركيا، حتى تقاطرت على رام الله الاتصالات ووفود المخابرات، التي توجت بزيارة رئيس الكونغرس اليهودي العالمي، الملياردير الأمريكي "رون لاودر"، أول أمس، في لقاء استمر ثلاث ساعات مع عباس.
وقد بدأ الدخان الأسود يتصاعد من هذه الزيارات، الذي عبر عنه عزام الأحمد بتأجيل لقاء الأمناء العامين إلى أجل غير مسمى، ثم اعتذار مصر عن عدم استقبال لقاء الفصائل في مصر، وأخيرًا استعداد روسيا لاستقبال لقاء الفصائل.
وعليه بات علينا أن نتوقع ألا يثمر لقاء الفصائل في روسيا -"إن عقد أصلًا"- أي شيء جدي باتجاه المصالحة أو ترتيب البيت الفلسطيني، خاصة إذا أضفنا ما كشفه التلفاز الصهيوني بالأمس عن اتصالات بين العدو وقطر وقطاع غزة، ستحول قطر بموجبه 100 مليون دولار إلى غزة بهدف شراء الهدوء مع حماس، مدة ستة أشهر على الأقل.
كل ذلك تحت مطرقة التهديد بجولة تصعيد جديدة مع غزة، إذا لم تنجح محاولة التوصل إلى تسوية في ملف الأسرى والمفقودين في الأسابيع المقبلة.
يبدو أن كل الشياطين أجمعوا على إبقاء الأوضاع على ما هي عليه دون أي تغيير في ملف المصالحة الفلسطينية، أو إنهاء ملف غزة، باتجاه إتمام المصالحة وضمها إلى حظيرة السلطة، أو باتجاه شن عدوان مدمر يقضي على المقاومة فيها ويجرجرها إلى بيت الطاعة الصهيوني، بعد أن نجح العدو الصهيوني مبكرًا جدًّا في جرجرة أغلب عواصم العرب إلى حظيرته.
هذا التأجيل هدفه تمرير مرحلة الانتخابات الأمريكية، ومعرفة اسم ساكن البيت الأبيض الجديد، ثم التعرف إلى الاتجاهات السياسية للإدارة الأمريكية الجديدة.
ولما كان لا أحد من زعماء الكرتون، وملوك الكوتشينة، وأمراء مدن الزجاج يملكون قرارهم، فبأمر من اللوبي الصهيوني الذي يدير المشهد برمته، لا حرب ولا مصالحة قبل الانتخابات الأمريكية، بل مزيد من انكشاف عار التطبيع مع العرب، لزيادة أسهم ترامب في الفوز بكرسي البيت الأبيض من جديد.