ما زالت جبهة غزة تفرض نفسها على الأجندة الإسرائيلية، السياسية والعسكرية، مع استمرار التوتر على حدودها، سواء باستمرار القصف العدواني من جهة، ومن جهة أخرى الرد الطبيعي والمشروع للمجموعات الشبابية في استخدام أدوات المقاومة الشعبية كالبالونات الحارقة وفعاليات الإرباك الليلي.
يربط الإسرائيليون التوتر المتصاعد في قطاع غزة بتأخر المنحة المالية التي تقدمها قطر لقطاع غزة، وكأن تل أبيب أصبحت مدمنة على مساعدات الدوحة المالية، ولكن في الحالة التي قد يتوقف هذا الدعم، يتعين على الجيش الإسرائيلي تقديم الإجابات، وإلا يمكن في هذه الحالة معرفة السبب وراء هجوم حماس الحالي بالبلالين الحارقة باتجاه المستوطنات الإسرائيلية.
يواجه المستوطنون في مستوطنات غلاف غزة لمخاوف أمنية متصاعدة منذ أيام، مع استمرار إطلاق البالونات الحارقة، وخلال أيام الذروة، أطلقت العشرات منها، وأسفرت عن اشتعال الحقول الزراعية، وحين أغلق الاحتلال معبر كرم أبو سالم مع القطاع، زادت البالونات، وحين قلصت مساحة الصيد، استمر الهجوم بها أيضاً.
مع العلم أن القرار الإسرائيلي المتعسف بإيقاف توريد الوقود لمحطة توليد كهرباء القطاع، أسفر عن معاناة فلسطينية خطيرة، مع بدء انخفاض تدفق الكهرباء للمنازل بضع ساعات في اليوم الواحد فقط، الأمر الذي جعل من الطبيعي أن تستمر الحرائق في حقول المستوطنات، وإبقاء المستوطنين في حالة قلق دائمة، فما ينبغي أن يعاني الفلسطينيون وحدهم، هذه الرسالة التي يجب أن تصل دائما، للإسرائيليين والوسطاء على حد سواء!
التوتر الحالي قد يزداد قسوة، وينتظر ما قد تسفر عنه محادثات الجهات الوسيطة، لعلها تحقق إنجازا يذكر، مع أن مطلب حماس من إسرائيل هذه الأيام يتمثل في فتح المعابر، وهو ما من شأنه توفير السيولة المالية في أيدي الفلسطينيين، وتحفيز الاقتصاد المهتز في القطاع، ومنح تصاريح لتصدير المزيد من البضائع للخارج أو لإسرائيل.
يعلم الإسرائيليون، لكنهم يكابرون، أن اقتصاد غزة بحاجة لتدفق الأكسجين إليه، فالفلسطينيون محاصرون منذ 14 عاماً، مما تسبب في ركود اقتصادي حاد، مع أن قطر هي الداعم العربي الوحيد في غزة في السنوات الأخيرة، رغم أن ملايينها تبقي رؤوس الفلسطينيين فوق سطح الماء، وتمنحهم الحد الأدنى من الاستقرار الأمني والاجتماعي.
يبدي الإسرائيليون قناعتهم أن قيادة حماس أدركت الطريقة الصعبة للضغط على إسرائيل، بتأخير إطلاق القذائف الصاروخية، واعتماد سياسة المضايقة ضدها، خاصة عبر البالونات الحارقة والإرباك الليلي، رغم أن تل أبيب زعمت أنها لن توافق على أن يدفع المانحون فلسًا واحدًا تحت التهديد، لكنها معنية في الوقت ذاته بتحقيق الاستقرار في القطاع، وترى أنه لا بد من المساهمة بتوفير الهدوء النسبي في الجنوب.