ولدت القوى الوطنية والإسلامية -وهو التعبير الدال على الفصائل والأحزاب والحركات الفلسطينية- من رحم الثورة.
الثورة التي صنعتها نكبة اللجوء والتشرد.
الثورة التي ولدت في خيمة في مخيم لاجئين، قبل أن تتجسد سلاحًا أو قنبلة في يد الثوار الحالمين بالعودة إلى أرض الآباء والأجداد.
فكان اللجوء وكانت الخيمة وكان المخيم هو أول قواعد الثورة.
وما انطلق الثوار والمناضلون إلا للثورة على هذا الواقع الجديد، الواقع الذي حول مالك الأرض والبيت والبستان، إلى متسول المعونة في خيمة ملعونة.
وتشكل الثوار في أحزاب وفصائل وحركات ثورية، من أجل المخيم، ومن أجل الدفاع عن المظلومية التي حولت الشعب الفلسطيني الحر، إلى لاجئ في مخيم.
وتساوى اللاجئ في مخيم داخل حدود الوطن، مع اللاجئ في مخيم في دولة على تخوم الوطن، تساووا في حياة الذل والمعاناة، كما تساووا في الحرمان من العودة.
لكن ومع مرور الوقت وتقلبات الزمن، سكن الثوار خارج حدود المخيم، لكنهم بقوا داخل حدود الثورة، وباتوا يتكلمون باسم اللاجئين والمسحوقين باسم الثورة، وباتوا يمثلون المخيم الذي يسكنون خارجه، رغم أن إحساسهم بمعاناة سكان المخيم خفت، ومعرفتهم بتفاصيل آلام اللاجئين اضمحلت، ومشاركتهم اللاجئين آلام الفقر والعوز تلاشت.
فللثوار مخصصات مالية ثابتة، وللثوار مزايا ونثريات ومظاهر معروفة، وللثوار لون خطاب، ولغة تعبير، ومفردات مقولبة، ومفاهيم لا تعبر عن الحقيقة.
مفاهيم باتت تعتبر المخيم من التراث، والمحافظة على معاناة اللاجئين أهم من المحافظة على اللاجئين أنفسهم، لأن استمرار هذه المعاناة حسب هؤلاء الثوار المودرن، تجسد شواهد على جريمة النكبة.
وقد عبر عن هذه المفاهيم المغلوطة، بيان صدر قبل يومين عما يسمى بالقوى الوطنية والإسلامية، بخصوص مخيم الشاطئ.
أثبت البيان أن هذه القوى الوطنية تفتقد المصداقية، وتفتقر إلى حس القيادة، ورغم أن الرائد لا يكذب أهله، فإن البيان وضع اسم حركة الجهاد الإسلامي على البيان، لتخرج حركة الجهاد تنفي علمها بالبيان وتستنكر وضع اسمها عليه.
واعتبر البيان -اللقيط- أن مشاريع تطوير المخيمات وانهاء معاناة اللاجئين وتحسين شروط حياتهم، يعني القضاء على المخيمات لصالح مشاريع تصفية قضية اللاجئين، وإعطاء حالة من الاستقرار بالمخيمات كي ننسى حق العودة.
يا هؤلاء يا من لا تسكنون المخيم وتتحدثون باسمه، يا من تتمتعون بمزايا الثورة وحساناتها، هل أنستكم هذه المزايا والحسنات حق العودة؟
ومتى كان تحسين حياة اللاجئ وتطوير بيئة المخيم تنسي اللاجئ حق العودة لأرضه؟
ومتى كان استمرار المعاناة مرتبط بالتمسك بحق العودة؟
ويحق لنا أن نتساءل عن دور هذه القوى الوطنية الغائبة عن المخيم وعن معاناته، في تطوير متنزه مخيم الشاطئ المهمل منذ سنوات طويلة، فلم نرَ لهذه القوى أثرًا في إنقاذ أو تطوير هذا المتنفس الوحيد في المخيم الذي يعاني اكتظاظًا سكانيًّا رهيبًا.
ولم نرَ من هذه القوى أي مشاريع للتخفيف من حدة الفقر التي تسكن في ثنايا أزقته الضيقة.
ولم نتذوق من كلامهم المعسول طعم للمياه العذبة عوضا عن المياه غير الصالحة للشرب فيه.
ولم نلمس لباعهم الطويلة دورًا في تحسين نوعية الخدمات البالية التي تقدم لسكانه.
ولم تمنع أطنان بياناتهم المكدسة تآكل ساحل البحر الذي تحول لمكب للنفايات.
ثم إذا انبرى ثلة من أبناء المخيم لاستدراج تمويل لتنفيذ مشروع خيري مستدام، لصالح فقراء المخيم ومعدميه ولصالح أبناء الأسرى والشهداء فيه، تشرف عليه لجنة المخيم، انبرى هؤلاء وارتفعت عقيرتهم، وأسمعونا أصواتهم النشاز، ليعبروا عن حزبيتهم وفئويتهم المقيتة.
فقد عبروا في البيان أنهم يرفضون هذا المشروع الخيري فقط لأنه لا يخدم إلا فئة معينة.
يا هؤلاء إن هذه الفئة المعنية، هم عوائل الأسرى التي تتغنون ببطولاتهم ليل نهار، وأبناء الشهداء الذين تقسمون بالثأر لهم في كل مناسبة، والفقراء والمعوزين الذين تتسولون المعونات الدولية باسمهم.
إن المحافظة على خصوصية المخيم كمحطة انتظار لحين العودة، تفرض على كل وطني حر وشريف، تحسين نوعية حياة سكانه، وتطوير بيئته ليصبح قابلا للحياة، فان استمرار التمييز السلبي بحق اللاجئين في المخيمات يقتل فيهم روح الثورة.
إن المسؤولية الثورية تحتم على هذه القوى الوطنية، العمل على إلزام الأونروا تطوير مخيمات اللاجئين وتحسين خدماتها بما يتلاءم مع حاجاتهم، فضلًا عن تشجيع كل عمل يستهدف تطوير والنهوض بواقع متنزه الشاطئ، لكونه يخفف من معاناة اللاجئين، ويشكل متنفسًا وحيدًا للمخيم الذي يعاني اكتظاظًا سكانيًا وضيقًا شديدًا.
وتصحيحا للمفاهيم المغلوطة لدى هذه القوى الوطنية، نقول إن مخيمات اللاجئين ليست من تراثنا الوطني، بل هو عار على جبين الإنسانية، وإن اللاجئين ليسوا قوالب من شمع في متاحف الثورة.