هز بيروت أول أمس الثلاثاء انفجار كبير لم تشهد له مثيلًا بهذه القوة، اللهم إلا يوم تفجير موكب رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، إذ سمع دوي الانفجار على بعد ٧٠ كلم من موقعه، وتحطم زجاج المباني على بعد 23 كلم من المرفأ المنكوب.
حتى إن قبرص أعلنت أن الانفجار سُمع على أراضيها، وشوهد الدخان من الحدود اللبنانية السورية، أي على بعد ٨٠ كلم.
لكن لماذا أعلنت الحكومة اللبنانية بيروت مدينة منكوبة، وماذا تعني كلمة منكوب؟
*ولمعرفة الترجمة الواقعية لكلمة منكوب، يجب أن نعلم أن التفجير استهدف أكثر موقع حيوي في لبنان، وهو مرفأ بيروت، الذي يعد شريان الحياة الرئيس فيه، وتمر عبره 70% من الحركة التجارية في لبنان.
علمًا أن للبنان حدودًا برية مع سوريا وهي مغلقة بفعل الحرب السورية، وحدودًا مع فلسطين وهي مقفلة منذ الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وحدودًا بحرية على البحر المتوسط، ومنفذه إليها مرفأان هما مرفأ بيروت ومرفأ طرابلس، علمًا أن مرفأ بيروت هو شريان لبنان الرئيس لاستيراد احتياجاته.
قوة التفجير أدت إلى تدمير الزجاج في معظم مباني ومنازل مدينة بيروت، فضلًا عن تدمير أحياء كاملة حول المرفأ نفسه.
الخسائر المادية التي تظهرها الصور تباعًا تؤشر على أن التفجير يمثل أكبر كارثة تقع على لبنان، حيث أصبح مرفأ بيروت مجرد أطلال، وكأنه عاد إلى العصر الحجري، وكأن تهديدات نتنياهو تنفذ حرفيًّا.
ومنكوب، لأن صوامع القمح التي تحوي احتياط القمح الإستراتيجي للبنان تبخرت، ما يعني أن لبنان مقبل على أزمة غذاء.
ومنكوب، لأن خزانات الوقود الإستراتيجي تفجرت، ما يعني أن لبنان مقبل على أزمة وقود.
ومنكوب، لأن جميع مخازن المواد الصناعية والغذائية تبعثرت.
ومنكوب، لأن شركة الكهرباء الرئيسة القريبة من المرفأ دُمرت، ما يعني أن لبنان سيغرق في الظلام.
ومنكوب، لأن معظم محلات الوسط التجاري الذي يمثل عصب الاقتصاد ببيروت تضررت.
ومنكوب، لأن أكبر مستشفيات العاصمة بيروت -وهي الجامعة الأميركية- وأوتيل ديو ومستشفى الروم تضررت.
ومنكوب، لأن خسائر كبيرة لحقت بعدد كبير جدًّا من المساجد والكنائس التاريخية والأثرية، فضلًا عما لحق بمسجد محمد الأمين أكبر مسجد في لبنان، الذي يقع على مسافة تزيد على ٤ كيلومترات عن مكان الانفجار.
ومنكوب، لأن ذلك يعني أن لبنان سيواجه أزمة جوع، ونقص حاد بالدقيق، والوقود اللذين هما أصلًا قليلان.
ومنكوب، لأن أعداد الجرحى التي فاقت قدرة المستشفيات تجاوزت ألفي جريح.
ومنكوب، لأن عدد الضحايا فاق مائة ضحية، عدا الجثث التي ما زالت تحت الأنقاض.
ومنكوب، لأن آلاف الأبنية والسيارات تضررت ضررًا كبيرًا.
ومنكوب لأن محافظ بيروت أعلن فقدان فريق إطفاء كامل من فوج بيروت، اختفى في الانفجار الثاني في أثناء محاولته إطفاء حريق الانفجار الأول.
ومنكوب، لأنه حتى القصر الجمهوري والقصر الحكومي لم يسلما من أضرار الانفجار.
ومنكوب، لإصابة زوجة رئيس الوزراء وابنته، والمدير العام لمؤسسة كهرباء، والنائب طارق المرعبي، فضلًا عن مقتل نزار نجاريان رئيس حزب الكتائب.
ومنكوب، لأن الدمار أصاب معظم مستوعبات اللحوم المبردة والأغذية والمواد الأولية في المرفأ.
منكوب لأن الدمار لحق أيضًا بمستودعات الأدوية في المرفأ، التي احترقت بالكامل، ما يعني أن لبنان مقبل على أزمة دواء.
ومنكوب، لأن مستودع الأدوية المركزي للأمراض المزمنة في الكرنتينا التابع للدولة اللبنانية تلفت أدويته بنسبة ٩٠ من المائة، الأمر الذي سيشكل كارثة على أصحاب المرض المزمن كالسرطان والسكري والكلى والضغط وغيرها.
ومنكوب، لأن لبنان ينتظر زلزالًا آخر بعد أيام قليلة، عندما تصدر المحكمة الدولية حكمها الاتهامي بحق قتلة رفيق الحريري، وهم من عناصر حزب الله، المستهدف الرئيس من تفجير مرفأ بيروت.
ومنكوب، لأن هذا التفجير استكمال لنحر ما تبقى من لبنان المنهار، لتغيير المشهد في الإقليم، حيث إن العدو الصهيوني هو المستفيد الأول من هذه النكبة.