يأتي الطرح الذي قدمه خالد مشعل، الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس، لمواجهة مشروع الضم، متناغما مع ما طرحته حركة حماس من رؤى ومبادرات، في أوقات سابقة، بطرق وصور مختلفة، للحصول على لإجابات غير ملتبسة، عما ينبغي للفلسطينيين فعله، للإفلات من بين فكي كماشة صفقة القرن ومشروع الضم، وذلك بهدف الوصول إلى برنامج وطني فعال.
فما قدمه مشعل خلال لقاء له مع منتدى التفكير العربي بلندن مؤخرًا، هو عبارة عن مجموعة من المرتكزات، والمقترحات، والتصورات، التي تتوافق وتتناغم مع ما يطرحه قادة ومفكري العمل الوطني، للوصول إلى مشروع تحرر وطني فلسطيني جامع.
وتبدأ رؤية مشعل بإرساء القاعدة الصلبة التي ينبغي الارتكاز والبناء عليها، قبل الانتقال إلى الخطوة التالية، وهي الاتفاق على الثوابت والحقوق الوطنية الفلسطينية التي باتت بحاجة إلى إعادة تعريف بما يضمن تحقيق إجماع الكل الفلسطيني، للحيلولة دون التنازل عن أي منها، تحت أي من الظروف ومهما كانت المبررات.
ثم ينتقل مشعل إلى المؤسسات السياسية، ومرجعيات القرار الوطني، والتي يقع على عاتقها الارتكاز على هذه الثوابت لتحقيق الأهداف الوطنية، كمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي باتت وبإجماع الكل الفلسطيني بحاجة إلى اعادة بناء على أسس ديمقراطية، تضمن تمثيل جميع أبناء الشعب الفلسطيني، في شتى أماكن تواجده، وبمشاركة مختلف القوى والفصائل والشخصيات الوطنية.
ثم يخلص مشعل إلى ضرورة الاتفاق على البرنامج النضالي الذي يشتمل على ممارسة الشعب الفلسطيني الذي ما زال واقعاً تحت الاحتلال، لجميع أشكال المقاومة والكفاح، وعلى رأسها الكفاح المسلح، والمقاومة الشعبية، بشتى صورها مستظلين بالقوانين والقرارات الدولية، التي تشرع هذا التوجه.
فيما ترتكز رؤية مشعل على اعتماد خيارين، في التعامل مع معضلة السلطة، كإحدى أدوات تقييد الفعل الفلسطيني، وكموضع نزاع وخلاف، ينذر بقاؤها في صورتها الحالية، باستمرار الانقسام:
وخيارات مشعل للتعامل مع السلطة هي:
1- إما بقاء السلطة مع تغيير وظيفتها.
2- وإما حل السلطة بتوافق وطني وطرح رؤية بديلة.
ويعدُّ خيار تغيير وظيفة السلطة الفلسطينية، هو الأكثر واقعية ونجاعة على الصعيد الوطني، لتبقى السلطة لرعاية الخدمات الأساسية التي تضمن إسناد صمود الشعب تحت الاحتلال، كالصحة والتعليم والعمل والنظام وغيره.
نظرًا لأن الخيار الآخر بالضرورة سيخلف حالة من الفوضى ستزيد من المعاناة للشعب الفلسطيني، وتعطي ورقة قوة أخرى للعدو الصهيوني.
فيما يضمن تغيير وظيفة السلطة، إنهاء عار التنسيق الأمني الذي وفر الأمن المجاني للاحتلال ومغتصبيه، وإنهاء حالة الاحتلال الخمس نجوم، الذي أعفى الاحتلال من أعباء احتلاله، لجهة تحمل العدو لمسؤولياته ككيان احتلال.
الأمر الذي يتطلب رسم حالة النقيض لجهة صياغة مشروع مقاومة شعبية ينهك الاحتلال، لتتحول السلطة إلى مظلة وطنية، وأداة مقاومة في سياق برنامج وطني فلسطيني، توجهه قيادة واحدة، لإدارة مشهد الاشتباك مع العدو، وتوزع المهمات وتبادل الأدوار الكفيلة باستنزاف العدو وإنهاكه، لإرغامه على إعادة الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني.
ومما يدعم رؤية مشعل الواقعية:
- فشل خيار السلطة الذي يعتمد على المفاوضات لتحقيق الأهداف.
- انهيار أوسلو التي تجاوزها العدو بمراحل.
- ما تتعرض له المقاومة من حصار وتجويع وتشويه في قطاع غزة.
- عجز المقاومة عن التأثير الفاعل في واقع الضفة الغربية بفعل عمليات الملاحقة والاجتثاث المستمرة.
- توسع المحيط العربي الرسمي المعادي للمقاومة.
- امتداد أخطبوط التطبيع الخفي والعلني إلى مزيد من الدول العربية.
- تنامي مشاريع التهويد والسطو والضم برعاية إدارة ترامب الأكثر صهيونية.
تعدُّ فرص نجاح رؤية مشعل لمواجهة مشروع الضم، والتي تضمن إعادة صياغة المشهد الفلسطيني برمته، وصولًا إلى تحقيق الأهداف الفلسطينية في التحرير والعودة، كبيرة جدًّا، لو خلصت النوايا، وعملت القيادات الفلسطينية بقوة وجدية، ضمن خطة عملية وواقعية، وذات محددات وسقف زمني واضح.