كشف السيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) عن رفض الحركة عرضًا قُدِّمَ لها قبل شهرين في إطار صفقة القرن بقيمة 15 مليار دولار يتضمن مشاريع للبنية التحتية بالقطاع تشمل مطارا وميناء وغيرهما، إلى جانب رفع الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة، مقابل التخلي عن سلاح المقاومة والقدس والاكتفاء بكيان سياسي منفصل لا علاقة له بالضفة الغربية وما تقوم به " إسرائيل" من جرائم مثل الاستيطان والضم والتهويد وغير ذلك من أجل سيطرة تامة على أراضي الضفة وتحديد مصير السكان من جانب "إسرائيل" بدعم من أمريكا وبالتأكيد من أطراف عربية متعددة.
هذه الحقيقة التي كشفها قائد حركة حماس تحمل الكثير من الدلالات، ومنها أن المقاومة في قطاع غزة بقيادة كتائب عز الدين القسام عندها هدف واحد فقط، وهو العمل من أجل القضية الفلسطينية من منظور عقائدي إسلامي، وليس من أجل الحركة ولا من أجل الاستحواذ على قطاع غزة والتفرد به، ونحن نعلم ودون أن يكشف السيد هنية عن ذلك العرض الخبيث أن حماس لا يمكن أن تبيع القضية الفلسطينية مقابل جزء من الوطن، ولا يمكن أن تتساوق مع الاحتلال والمجتمع الدولي المتآمر وبعض الدول العربية المتحالفة مع المحتل من أجل حياة مستقرة لقادتها حتى لو حولوا غزة إلى "جنة" وليس إلى سنغافورة.
ومن الدلالات أيضا أن الاحتلال لا يعرف إلا لغة القوة، ولولا القوة التي وصلت إليها المقاومة في قطاع غزة إلى جانب صمود أهلنا الأسطوري لما فكر في الخلاص من قطاع غزة بل وفي تحويله إلى كيان سياسي مستقل وتقديم كل المساعدات التي من المتوقع أن تكون من جانب أطراف عربية، ولكن الذي لا يعرفه المحتل أن الضفة الغربية ليست أقل وطنية وقوة من غزة، وقد تتغير الأحوال بين لحظة وضحاها، وسيجد المحتل نفسه أنه قد أوقع نفسه في بحيرة من الرمال المتحركة لن يستطيع الخروج سالما منها، ولكن الهدوء المؤقت في الضفة أغراه ومنحه انطباع خطأ قد يتم تصحيحه في أي لحظة، والماضي يشهد والمستقبل سيشهد أن الضفة عصية على الضم والابتلاع .
ختاما لا بد أن تدرك الفصائل الفلسطينية وتحديدا فصائل منظمة التحرير أنه لا يمكن إنجاز مفاوضات سلمية مع اليهود بلغة أوسلو، وإنما يمكن التوصل معها إلى تفاهمات بلغة العصف المأكول والوهم المتبدد أو ما شابه، ولذلك لا بد من إنجاح جهود المصالحة والاستمرار فيها حتى لو وافقت "إسرائيل" على العودة للمفاوضات مرة أخرى مع منظمة التحرير، نتمنى على المنظمة ألا تهرول إلى التفاوض مع المحتل إذا أتيحت لها الفرصة ضاربة بعرض الحائط كل الجهود المبذولة من أجل المصالحة ووحدة الصف الفلسطيني .