تمتاز حياة الإنسان المسلم بأنها زاخرة بالأعمال الصالحة، والعبادات المشروعة التي تجعل المسلم في عبادة مستمرة، وتحول حياته كلها إلى قول حسن، وعمل صالح، وسعي دؤوب إلى الله جل في علاه، دونما كلل أو ملل أو فتور أو انقطاع .
من هنا فإن حياة الإنسان المسلم لا تكاد تنقطع من أداء نوع من أنواع العبادة التي تمثل له منهج حياة شاملا متكاملا، فهو على سبيل المثال مكلف بخمس صلوات تتوزع أوقاتها على ساعات اليوم والليلة، وصيام شهر رمضان المبارك في كل عام، وما إن يفرغ من ذلك حتى يُستحب له صيام ستةِ أيامٍ من شهر شوال، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ثم تأتي الأيام العشرة الأولى من شهر ذي الحجة فيكون للعمل الصالح فيها قبولٌ عظيمٌ عند الله تعالى.
يبين أستاذ الفقه وأصوله بكلية الدعوة الإسلامية د. عبد الباري خلة أن الله تعالى قال في محكم تنزيله: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (الحج:27-28) فعن ابن عباس رضي الله عنهما: الأيام المعلومات أيام العشر .
ويوضح د.خلة لـ"فلسطين" أن ليالي العشر من ذي الحجة وردت في قوله تعالى: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْر} (الفجر:1-2).
ويذكر أن فضل الليالي العشر ذكرت في أحاديث منها: عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ أيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أحَبُّ إلى الله مِنْ هَذهِ الأيَّامِ العَشْرِ)، فقالُوا يا رسولُ الله: ولا الجِهَادُ في سَبِيلِ الله؟ فقالَ رسولُ الله: (ولا الجِهَادُ في سَبِيلِ الله، إلاّ رَجُلٌ خَرجَ بِنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ من ذَلِكَ بِشَيْءٍ) رواه البخاري.
وورد في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنْت عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْت الْأَعْمَالَ فَقَالَ: مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ فِيهِنَّ أَفْضَلُ مِنْ هَذِهِ الْعَشْرِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ فَأَكْبَرَهُ فقَالَ: وَلَا الْجِهَادُ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ رجُلٌ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، ثُمَّ تَكُونُ مُهْجَةُ نَفْسِهِ فِيهِ }. رواه أحمد بسند حسن.
ويشير إلى أن المسلمين يعظمون ثلاث عشرات، حيث َقَالَ هُشَيْمٌ: أَخْبَرَنَا خَالِدٌ, عَنْ أَبِي عُثْمَانَ: كَانُوا يُعَظِّمُونَ ثَلاثَ عَشَرَاتٍ: الْعَشْرُ الأُوَلُ مِنَ الْمُحَرَّمِ, وَالْعَشْرُ الأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ, وَالْعَشْرُ الأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ. لطائف المعارف:84.
خصائصها
ومن خصائص الأيام العشر، يعدد د. خلة بعضا منها: أقسم الله تعالى بها في كتابه الكريم فقال: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} سورة الفجر، ولا يقسم الله تعالى إلا بما هو عظيم وشريف، و هي أفضل أيام السنة حتى من العشر الأواخر من شهر رمضان، فقد سئل ابن تيمية عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟ فأجاب: " أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة".
ويلفت إلى أن في هذه الأيام يوما عظيما وفضله كبير وهو يوم عرفة فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ' مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟ ' رواه مسلم، وعن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنةَ الَّتِي قَبْلَهُ. وَالسَّنةَ الَّتِي بَعْدَهُ) رواه مسلم.
وعن فضل الدعاء في يوم عرفة، يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خَيْرُ الدّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أنا والنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لا إله إلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَديرٌ) رواه الترمذي وحسنه ورواه مالك بسند صحيح.
ويفيد خلة أن الأيام العشر يشترك في خيرها الجميع حجاجا ومقيمين، الحج فيها من أفضل العبادات، فيها عبادة عظيمة وهي الهدي والأضاحي.
ويلفت إلى أن فيها اجتماع أمهات العبادات قال ابن حجر: "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أُمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره".
ويؤكد خلة أن فيها يوم إكمال الدين وإتمام النعمة: فقد قَالَتْ الْيَهُودُ لِعُمَرَ إِنَّكُمْ تَقْرَؤونَ آيَةً لَوْ نَزَلَتْ فِينَا لَاتَّخَذْنَاهَا عِيدًا فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي لأَعْلَمُ حَيْثُ أُنْزِلَتْ وَأَيْنَ أُنْزِلَتْ وَأَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُنْزِلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ وَإِنَّا وَاللَّهِ بِعَرَفَةَ قَالَ سُفْيَانُ وَأَشُكُّ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَمْ لا الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ).
الأعمال المستحبة
وعن الأعمال المستحبة في هذه الأيام، يبين الداعية أحمد زمارة أن منها ذكر الله تعالى حيث قال { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ }، ولما حث عليه الهدي النبوي من الإكثار من ذكر الله تعالى في هذه الأيام على وجه الخصوص ؛ فقد روي عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من أيام أعظم عند الله ، ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر ، فأكثروا فيهن من التكبير ، والتهليل ، والتحميد ".
ويذكر زمارة لصحيفة "فلسطين" أن الصيام محبب في هذه الأيام، لما روي عن صيام النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأيام المُباركة ؛ فقد روي عن هُنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسعَ ذي الحجة ، ويوم عاشوراء ، وثلاثة أيامٍ من كُلِ شهر ، أول اثنين من الشهر والخميس " ( رواه أبو داود).
ويكمل: "من الأمور المستحبة أيضاً تجهيز الأضحية، بشرائها وإطعامها، ومن أراد الأضحية فعليه أن يمسك عن الأخذ من شعره أو أظافره عند رؤية هلال ذي الحجة عملاً بالهدي النبوي، وقد وجهنا النبي صلى الله عليه وسلم لأن نمسك عن أظافرنا وشعرنا كما في الحديث: إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظافره".