منذ انتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، صيف 2014م، لم تنتظر المقاومة الفلسطينية طويلًا لاستنتاج الدروس والعبر من المعركة التي دامت 51 يوما، حتى بدأت إعادة هيكلياتها وإضافة وحدات عسكرية جديدة لصفوفها.
ورأى محلِّلون فلسطينيون أن المقاومة تمكنت خلال السنوات الستة الماضية من تعزيز قدراتها العسكرية لأضعاف مضاعفة وتشكيل قوة ردع أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وقلل هؤلاء من محاولات الاحتلال خلال السنوات الماضية إضعاف الحاضنة الشعبية للمقاومة من خلال إضعافها اقتصاديا، مؤكدين أن الالتفاف الجماهيري الفلسطيني والعربي حول المقاومة الفلسطينية خير دليل.
وقال خبير الأمن القومي إبراهيم حبيب: إن المقاومة سجلت بصمات واضحة في هذه المواجهة التي جعلت من المقاومة "شوكة" لا يمكن تجاوزها من قبل الاحتلال.
وأوضح حبيب لصحيفة "فلسطين" أن المقاومة كان لها إنجازات حقيقيّة على الأرض والميدان وتمثلت في الأسلحة النوعية التي ظهرت في هذه المعركة، وأهمها سلاح "الضفادع البحرية" و"الطيران المسير".
وأشار إلى دور سلاح الأنفاق الذي لعب دورًا مهمًا في تنفيذ عمليات الأسر للجنديين الإسرائيليين شاؤول أرون وهدار جولدن بالإضافة إلى العمليات التي نفذتها المقاومة خلف "خطوط العدو" والتي كان لها تأثير كبير على نفسية الشارع الإسرائيلي والجبهة الداخلية هناك.
وشدد على أهمية سلاح الصواريخ الذي شكّل أثرًا نوعيًّا بعدما وصلت للأراضي المحتلة بدقة عالية وبكثافة كبيرة وتحدت "القبة الحديدية" بالساعة والدقيقة، مؤكداً أن كل ما سبق شكل ملامح لمرحلة جديدة فرضتها المقاومة بقوتها التي كونتها عبر السنوات السابقة للحرب.
وأشار حبيب إلى أن الاحتلال لن يتوقف عن توجيه التهديدات والوعيد لغزة، ولن يمل ولا يكل عن استخدامها، لكن ما يحدد مدى استخدام خيار الحرب هو قدرة المقاومة على ردع الاحتلال وإيلامه في الجبهة الداخلية.
وعن محاولات الاحتلال الإسرائيلي الضغط على أهالي غزة اقتصاديًا للتخلي عن مشروع المقاومة، أكد أن الشعب الفلسطيني يعي أن الحصار سببه رغبة الاحتلال معاقبة أهالي القطاع لاحتضانهم خيار المقاومة ودعمهم لها.
وتابع حبيب: "إن إيمان الجبهة الداخلية وأبناء شعبنا بصوابية خيار المقاومة يجعلها مصدر قوة للطرفين، وهو ما يغيظ الاحتلال ليسعى بكافة السبل إلى إضعاف الجبهة الداخلية من خلال الضغط عليها اقتصاديا ونفسيا واجتماعيا وغيرها من المستويات".
قواعد ثابتة
من جانبه، رأى الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة، أن المقاومة استطاعت خلال معركة العصف المأكول تثبيت قواعد للمواجهة لتمثل قوة ردع حقيقيّة للاحتلال.
وقال عفيفة لصحيفة "فلسطين": إن صمود غزة ومقاومتها لهذه الفترة من الزمن وفي ظل وجود خلل كبير في التوازن العسكري يعد أمراً مستحيلاً على بقعة صغيرة مثل قطاع غزة، حيث تم إلقاء أطنان من القنابل والأسلحة والقنابل بشهادات دولية، غير أن المقاومة "نجحت في تحقيق المستحيل".
وأضاف: في هذه المعركة توجه الاحتلال نحو اتباع سياسة الأرض المحروقة والقصف العشوائي للمنازل والأبراج السكنية والمدنيين بشكل غير مسبوق، من أجل تحقيق انجازات عجز عن تحقيقها في الشهر الأول للعدوان الذي دام 51 يوما.
واستدرك عفيفة: ورغم ذلك إلا أن كل هذا زاد من قوة المقاومة وأعطاها نقاطًا تزيد من قوتها وقدرتها لردع الاحتلال، فتعلمت المقاومة الكثير من الدروس والعبر التي جعلت قوتها الحالية تتطور عن تلك الفترة أضعافًا مضاعفة وهو ما يخشاه الاحتلال.
وذكر عفيفة أن الجبهة الداخلية الحاضنة للمقاومة هي كلمة السر في مواجهة معركة "العصف المأكول"، وهي التي حاول الاحتلال "اللعب عليها بعد الحرب لإضعافها اقتصادياً".
وأجزم عفيفة أن الحاضنة الشعبية داخل الوطن وخارجه ستبقى دوما حول المقاومة حتى دحر الاحتلال عن أرض فلسطين.