في ظل الأزمات تبرز الحاجة إلى أصحاب الهمم العالية الذين يبثّون روح الحياة في قلوب الناس ويغرسون التفاؤل والأمل، نحتاج إلى الشخص القدوة في حُكمه وقيادته وعدله وعلمه وقوله ومعاملاته وتصرفاته وسلوكه، نحتاج إلى إعادة بناء جسور الثقة بين الشعب والحاكم، أو القائد وأيضا بين الشعب والعالِم أو الداعية في هذه المرحلة من الضيق والعنت وصعوبة الحياة تكون المهام صعبة.
الحكام والقادة عليهم واجب كبير، ولهم دور عظيم في حياة الناس، ولكنّ العالِمَ والداعيةَ والخطيبَ عليهم واجبٌ أثقل وأصعب ودور أكبر في إعادة صقل وتشكيل معالم الحياة والنفوس للناس من جديد.
من المهم أن نُركّز في خطابنا للناس على بث روح الإيمان والأمل والتفاؤل في النفوس التي هي على وشك الانهيار وبعضها وصل إلى حد الانهيار، نرسم لهم معالم مستقبل قريب، ينقشع هذا السواد ويزول الظلم الذي نعيشه، ونؤكد لهم من خلال صور واقعية عاشتها البشرية منذ خُلِقت إلى الآن أن الظلم لا يُعمّر والاحتلال لا يدوم.
فرعون الذي وصل به طاغوته وجبروته إلى أن يقول: "أنا ربكم الأعلى"، كانت نهايته وأركان دولته وجيشه العظيم بضربة من عصا موسى في البحر بوحيٍ من الله، لينجوَ موسى وقومه ويغرقَ فرعون وجيشه وزبانيته وأركان دولته، فالكون كله يتحرك بإرادة الله وحده، كلُّ شيء في هذا الكون يتغير في لحظة وفق حكمةِ وقدرةِ وإرادةِ الله سبحانه، وفي القرآن الكريم قصص كثيرة ومتنوعة تحاكي قصة فرعون وكل الظالمين وما يحدث من تغيرات وتقلبات في هذا الكون.
وإذا نظرنا إلى تاريخ أمتنا الحاضر، شعب الجزائر جاهد الاستعمار الفرنسي مئة واثنين وثلاثين عاما، قرى جزائرية بأكملها أحرقها الاحتلال الفرنسي بمن فيها من أطفال ونساء وشيوخ، قتل واعتقالات وحصار وجوع وتعذيب واغتيالات ونفي للقادة والعلماء، ولم تنثني عزيمة الجزائريين، وانتزع الشعب الجزائري حريته بعد طول الآلام والعذابات التي عاشها كما هي الشعوب العربية التي احتلها الاستعمار ونماذج صارخة وصادقة في سماء أمتنا لا ننساها، سيظل التاريخ يسطرها على صفحاته بمداد الذهب، ما أحوجنا إلى أمثالها اليوم، هي قدوة لنا.
الأمير عبد القادر الجزائري وعمر المختار والسنوسي والمهدي وعبد الكريم الخطابي وعمر مكرم ومصطفى كامل وعز الدين القسام وأمين الحسيني وعبد القادر الحسيني وياسر عرفات وأحمد ياسين وفتحي الشقاقي وغيرهم الكثير الكثير الذين قضوا شهداء على طريق العزة والكرامة والحرية والعودة، ولا يعقمُ رَحمُ أمتنا وشعبنا عن ولادة آخرين أمثالهم - جنود مجهولون - قد لا نشعر بهم في حياتهم، لكن عندما يغيبون عن حياتنا تمتلئ صفحات الدنيا بسيرتهم النبيلة العطرة.
إخواني الخطباء والدعاة، لم يخلقنا الله من أجل الموت ودخول النار وبئس المصير، إنما خلَقَنا من أجل أن نحيا حياةً بكل معانيها الجميلة حياةً كريمةً وعزيزةً وسعيدةً، حدثوا الناس عن جهد وجهاد النبي والصحابة الكرام والعلماء العاملين وأولياء الله الصالحين والأحرار في العالم القديم والحديث الذين أقاموا العدل في الأرض بعدما عمّ الظلم والاستبداد والكفر والطغيان. حدّثوهم عن دورنا كخطباء ودعاة ومصلحين أنّه الدور نفسُه الذي تحدث به الصحابي ربعي بن عامر رضي الله عنه وهو يقف بكل شموخ أمام قائد جيش الفرس رستم ليقول له: إن الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
نحن لسنا قضاة على الناس نعطي صكوك الآخرة هذا في الجنة وذاك في النار؛ وإنما دعاة إلى العدل والحب والحياة الطاهرة النظيفة والتآخي والمودة والرحمة، نحترم ونقدّر ونحب ونتودد إلى كل من يتقرب إلينا وينصرنا ويدافع عن قضايانا ويحتضنها بغض النظر عن ديانته ومذهبه وعرقه وجنسه. افتحوا أمام الناس كتاب فقه الحياة الواسع الذي يحوي كل شيء، التي لسنا وحدنا فيها، وإنما نتميز عن غيرنا بالعقيدة الصحيحة والسليمة التي تنعكس على معاملاتنا وتصرفاتنا وسلوكنا مع الآخرين حتى نكون الأجمل ونعطي للحياة طعمها الأحلى.