اختارت المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها كتائب القسام، تكتيكا جديدا في ساعات الفجر الأولى من يوم الأربعاء 1 يوليو/ تموز 2020 وهو اليوم المفترض للإعلان عن خطة الضم الإسرائيلية التي يتحمس لتنفيذها رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، وذلك بإطلاقها رشقات صاروخية باتجاه البحر ربما تكون تجاوزت المائتي كيلو، فما دلالات هذا الفعل وطبيعة الرسائل التي أرادت المقاومة إرسالها؟ وكيف يمكن فهم أهمية وصول هذه الصواريخ لمديات بعيدة؟ وهل كان لهذه التحذيرات الساخنة دور في التأثير على القرار الإسرائيلي؟
يبدو أن قيادة كتائب القسام أعطت الإشارة لمقاتليها بإطلاق هذا العدد من الصواريخ، واختارت التوقيت بعناية، لكنها أرادت هذه المرة التصرف بشكل مختلف، عبر سماحها بإطلاق هذا النوع من الصواريخ، لأنها تدرك تماما أن العدو الإسرائيلي سيقرأ الرسالة بعناية، ويقدر خطورة الكشف عن صواريخ بعيدة، خصوصا أنها أطلقت في وقت الذروة قبيل تنفيذ القرار.
هي تريد أن تقول لكل المستويات الإسرائيلية وعلى رأسها صناع القرار أن تهديدات "أبو عبيدة" ستدخل حيز التنفيذ، فعليكم أخذ الأمر على محمل الجد، وإلا فإن وجهة هذه الصواريخ سيكون لها إحداثيات أخرى باتجاه عمق أراضينا المحتلة، وما هذه المديات إلا دليل على أن الكتائب نقلت قدراتها الصاروخية إلى مراحل متقدمة، ويدرك العدو بأن مثل تلك الصواريخ أصبحت تغطي كل المساحات التي يحتلها الكيان.
وبالتالي فإن القسام يكشف جزئيا عن بعض قدراته الصاروخية في إطار رسائل التحذير، لكن باعتقادي أنها ليست المديات النهائية التي يمتلكها(...) لكن لا حاجة الآن للكشف عنها، فالمعركة المقبلة ربما ترسم فيها الكتائب مشهدًا مختلفًا نجده واقعا في مسرح العمليات بصورة تخالف كل التقديرات الصهيونية، فإذا كانت الكتائب قادرة على تصنيع مثل هذه الصواريخ في ورش محلية فكيف سيكون المشهد إذا ما كشفت عن قدرات متطورة أخرى؟
فخطوة المقاومة فاجأت بكل تأكيد الأوساط الصهيونية، وساهمت بشكل مباشر وفاعل في إرجاء الموعد المحدد لموعد الضم، وذلك بعد تحذيرات الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى من التداعيات الأمنية الوشيكة في حال أقدم نتنياهو على الخطوة، هذا بالإضافة لجملة من الأسباب السياسية الأخرى التي تشابكت لتشكل عامل ضاغط، ومنها الاختلاف مع الفريق الأمريكي حول الموعد والمساحات، والآليات للتنفيذ، والخرائط المعتمدة، إلى جانب الرفض الأوروبي والتلويح بفرض عقوبات وعدم الاعتراف بنتائج القرار في حال اتخاذه، والدعوات الدولية المناهضة للقرار باعتباره ينتهك مبادئ القانون الدولي، وقبل كل ذلك الأزمة السياسية الداخلية وعدم موافقة نائب رئيس الوزراء زعيم حزب أزرق أبيض بيني غانتس على الموعد والآلية التي يتصرف بها نتنياهو في اتخاذه لقرارات مصيرية.
فهذا المسؤول لديه قناعات بأن (إسرائيل) تضع بالفعل يدها على معظم هذه المساحات التي يشملها القرار، لكن نتنياهو يحاول تمريره بهذه الصورة لتحقيق مكاسب سياسية دون مراعاة التداعيات، وأن نتنياهو لا يري في حزب أزرق أبيض وزعيمه شركاء في هذا المخطط والمشروع وأن هدفه أيضا الهروب إلى الأمام بتحقيق مجده الشخصي على حساب دولة الكيان، من هنا أبلغ بيني غانتس الوفد الأمريكي بأن الأول من يوليو/ تموز ليس تاريخا مقدسا، فهو يرى أيضا أن هناك أولويات وتحديات كبيرة يفرضها وباء كورونا يمكن العمل عليها الآن، بدلًا من الدخول في مخطط الضم.
فبعد مرور ساعات تلقفت القيادة الصهيونية صدمة أخرى من خلال إعلان حركتي فتح وحماس ومن قلب الضفة الغربية وعبر مؤتمر صحفي مشترك ظهر فيه جبريل رجوب أمين سر حركة فتح، وصالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، واللذان كشفا عن خطوات جديدة لبناء وحدة وشراكة في مواجهة المخطط الإسرائيلي، فـ(إسرائيل) نظرت للخطوة على أنها إجراء خطير يمكن أن يخلق تحديًا جديدًا، في ظل ما يتمخض عنه من قرارات قد يكون ضمنها تفعيل أدوات الانتفاضة، ووقف ملاحقة نشطاء حماس، وتوقف الصدام بين الحركتين، وهذا بدوره يخلق تهديدًا حقيقيًّا أمام الإسرائيليين.
صحيح أن الخطوة لا تزال رمزية إلى الآن لكنها خطوة في الاتجاه الصحيح، فالهجمة العدوانية الإسرائيلية تتطلب وحدة في الموقف الفلسطيني، وتناغمًا تامًّا بين كل أركان القوة على كل الصعد، فإذا ما استطاع الفلسطينيون في هذا المرحلة إيجاد صيغة نضالية تؤسس لشراكة في القرار على قاعدة مواجهة الاحتلال بكل الوسائل السياسية والعسكرية، فإنهم بذلك يكونون قد نجحوا في الاختبار الحقيقي.