بالتزامن مع بدء العد التنازلي لإعلان خطة الضم الإسرائيلية في الضفة الغربية وغور الأردن، وقد تبقى عليها أيام تقل عددها عن أصابع اليد الواحدة، طفت على السطح ما اعتبرته أوساط أمنية إسرائيلية مظاهر "كابوس" ينتظر السلطة الفلسطينية وإسرائيل على حد سواء، الأمر الذي يخيف الجانبين معاً، عقب وقف التنسيق الأمني والمدني بينهما.
تمثلت مظاهر هذا "الكابوس" الإسرائيلي والفلسطيني معاً، بتوافد آلاف المواطنين الفلسطينيين في عدد من مدن ومحافظات الضفة الغربية أمام مكاتب التنسيق الإسرائيلي للحصول على تصاريح عمل، دون تدخل من السلطة الفلسطينية، التي كانت على علم بهذه الخطوة، مما أشار لتطوير قناة اتصال مباشرة بين إسرائيل والجمهور الفلسطيني.
يشكل هذا المشهد، من وجهة النظر الإسرائيلية، مصدر قلق طويل الأمد وعميقا للسلطة الفلسطينية تجاه المحاولات الإسرائيلية لإضعافها من خلال إقامة علاقات مدنية عامة وحوار مباشر مع الجمهور الفلسطيني، مما سيؤدي تدريجياً لانهيارها، وهو خوف عبرت عنه السلطة بالإعلان مرارا وتكرارا في الآونة الأخيرة بأنها لن توافق أن تصبح مجلساً محليا أو مؤسسة خيرية.
منذ توقف التنسيق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، فإن النشاط المدني المستمر المرتبط بإسرائيل أصبح تحت "يد مختفية"، وبهذه الطريقة، يستمر عشرات الآلاف من العمال والتجار والمرضى بدخول إسرائيل كل يوم، دون تنسيق رسمي مع السلطة الفلسطينية، ويبدو أنها تستطيع إذا أرادت منعهم من ذلك، لكنها تدرك أن نتيجة هذه الخطوة ستكون احتكاكاً مع الجمهور الفلسطيني، وغضبه منها.
في الوقت الحالي، تفضل السلطة السماح للوضع الحالي بالوجود من أجل الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، الذي تعرض لضربة شديدة خلال أزمة كورونا، وهكذا فإن تشديد التواصل بين الجمهور الفلسطيني وإسرائيل ليس فقط كابوسا وجوديا للسلطة، بل يجب اعتباره أيضًا مشكلة أساسية لإسرائيل، لأن تكريس جزء كبير من الفلسطينيين لعلاقة مدنية مباشرة معها، وتطلعهم لتحسين نوعية حياتهم، وجودة الخدمات التي يتلقونها، يعني استمرار انخفاض قيمة ومكانة السلطة.
أحد المخاوف الإسرائيلية من هذا التطور أنه قد يعبد الطريق نحو سيناريو "الدولة الواحدة"، الذي لا ينبغي الخلط بينه وبين فكرة "ثنائية القومية"، وهو سيناريو لا يمر بالإعلانات والأحداث الدرامية، بل عبر عملية زاحفة أدت إلى تقويض واقع الضفة الغربية لمدة ربع قرن.
إسرائيل لها مصلحة عميقة في استمرار وجود السلطة الفلسطينية، رغم كل عيوبها، والأزمة الحالية بين الطرفين، ليس فقط لأسباب أمنية للحفاظ على الاستقرار والقضاء على قادة المنظمات الفلسطينية المسلحة بزعامة حماس، وهو هدف وجودي للسلطة أيضًا، للأسف الشديد، ولكن أيضًا لنظرة استراتيجية لمنع عمليات الدمج الديموغرافي بين الفلسطينيين واليهود بالضفة الغربية.