فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

القوة الثلاثية

"هذا ما سمحت به الظروف!"، عبارة نسمعها مرارًا لتسويغ وشرح واقع ما، إذ ينهمك الشخص في إقناع نفسه أولًا، والآخرين ثانيًا بأنه لم يتمكن من أداء أفضل، أو صنع أجود في مسألة معينة، أو أن شيئًا ما فرض عليه.

لكن ماذا لو أعيدت الحسابات، واستثمرت الطاقات، وتغيرت المعادلات؟ وماذا لو بدأ ذلك بالاقتناع بأن الإنسان هو من يصنع الظروف في كثير من الأحيان وليس العكس؟

قد يرسب طالب في امتحانات الثانوية العامة، فهل هذا يعني أن يتخلف عن طلب العلم إلى الأبد، أو أن حياته العلمية والمهنية انتهت؛ بسبب الظرف الذي صنعته يداه؟ أم أن عليه أن ينفضه عن نفسه، ليصنع من المحنة منحة، بالاستدلال على قدراته ومهاراته والتركيز عليها على نحو أكبر وتحدي ما فات؟

حتمًا سيلجأ إلى الخيار الثاني، إذا توافرت لديه الإرادة والثقة بنفسه.

وذلك الذي يراوده طموح، أو مشروع ما، ويتردد خوفًا من الفشل، فهل هذا يعني بقاءه في الدائرة ذاتها من الحيرة إلى الأبد؟ أم أن عليه دراسة مشروعه من جوانبه جميعها والانطلاق به على هذا الأساس والفخر بالنتائج التي ستنضم إلى سجل خبراته وربما نجاحاته أو تعديل المشروع لضمان ما هو أفضل؟

قطعًا سيختار الانطلاق أو التقويم لا البقاء في الحيرة ذاتها، إذا توافرت لديه النية الحقيقية.

وذلك الذي يعيش روتينًا يوميًّا قاتلًا ولا يتخذ قرارًا حاسمًا بتغيير مسار حياته إما كسلًا أو ترددًا، هل عليه أن يستمر في إهدار أيام عمر لن يعيشه إلا مرة واحدة أم ينطلق نحو المستقبل بجدول أيام جديد؟

لا شك أنه سيختار الانطلاق نحو المستقبل، إذا أدرك قيمته التي عبّر عنها د. مصطفى محمود بقوله: "قيمة الإنسان ما يضيفه إلى الحياة من ميلاده حتى وفاته".

وذلك الذي يملك من المواهب والقدرات ما لا يملكه غيره، لكنه فتح الباب أمام الخوف أو التردد ليجتاحاه فضاعت عليه الفرص واختلطت عليه المسائل، هل عليه أن يرهن نفسه للخوف طويلًا أم أن يستثمر ما آتاه الله في رفعة نفسه والبشرية؟

يقينًا سيختار استثمار مواهبه، لو آمن بقيمتها الحقيقية!

وذلك الذي لا يبادر إلى السعي في الحياة نحو الرزق، والعلم، والصحة، والوعي، لكونه "متواكلًا" أو يقنع نفسه بأنه "فاشل"، هل عليه أن يبقى كذلك أم ينطلق نحو السعي وتغيير قناعاته؟

وذلك الذي يرهق نفسه بما يقوله الآخرون عنه من غيبة أو نميمة أو حسد أو طمع، ويتتبعه حرفًا حرفًا، ولا يجد سبيلًا إلى الراحة، هل عليه أن يبقى كذلك أم يقرر "الإعراض عن الجاهلين" ليستثمر وقته وقدراته في بناء مستقبله؟

إنها القوة الثلاثية: الخيار، والقرار، والإرادة، الكفيلة بتغيير واقع الإنسان، لكنها لن تكون فعالة إلا من اللحظة التي يدرك فيها الإنسان أنه يمتلكها.