فلسطين أون لاين

د. رمضان.. الداعية، المفكِّر، السياسي..

الجزء الأخير

ثالثًا - السياسي: بدأ الدكتور رمضان العمل السياسي في اللحظة التي التحق فيها بركب المؤسسين لحركة الجهاد الإسلامي وعلى رأسهم د. فتحي الشقاقي -رحمه الله- في مصر، وبعد الانتقال إلى غزة بدأت الانطلاقة الفعلية للحركة في ساحة الفعل والاشتباك داخل فلسطين بنشاط منقطع النظير للتعريف بحركة الجهاد الإسلامي (رموزها، مبادئها، فكرها، مواقفها السياسية)، لذا من الطبيعي أن يتم ملاحقة د. رمضان والذي يمثل حضوره بين جموع الطلبة مدرسًا في الجامعة الاسلامية خطراً على الاحتلال مما دفع الحاكم العسكري الصهيوني  بفرض الاقامة الجبرية عليه كعقوبة كانت تَطَال الكثير من السياسيين الفلسطينيين حينذاك.. وعلى مدار أكثر من خمسة عشر عامًا عمل فيها د. رمضان مُنظّرًا ومحاضرًا أكاديميًا وكاتبًا في السياسة ومطلعًا ومتابعًا لكل ما يحدث من تغيرات سياسية في العالم والاقليم والقضية الفلسطينية منحته الحكمة والدراية بعد توليه الأمانة العامة لحركة الجهاد الإسلامي للحفاظ على قوة الحركة وحضورها ونهجها السياسي الثابت والمتزن وخطها المقاوم.. وقد شهدت القضية الفلسطينية ما بين عامي (١٩٩٥-٢٠١٨)  -فترة تولي د. رمضان الأمانة العامة- تعقيدات سياسية لا تزال آثارها حاضرة، حيث مرّت بثلاث مراحل:

أولًا: بدايات تطبيق اتفاقية أوسلو وإفرازاتها خصوصًا التنسيق الأمني ومحاولات السلطة الناشئة للتضييق على المقاومة ورأس حربتها الجهاد وحماس، وقد تضاعف العمل الجهادى المقاوم في فلسطين واحتلت حركة الجهاد الاسلامي حيّزًا كبيرًا فيه، وكان د. رمضان حريصا على استمرار العمليات العسكرية النوعية ضد الاحتلال مع حرصه المطلق على عدم الصدام مع أجهزة السلطة الامنية، والتي مارست نفس الاساليب التي استخدمتها اجهزة الأمن الصهيونية ضد قيادات وكوادر الجهاد الاسلامي من القتل والاغتيال، كما حدث مع الشهيدين الرزاينة والأعرج إلى ممارسة الاعتقالات والزج بهم في أقبية التحقيق والتعذيب والمطاردة  لكل من ينتمى للجهاد الإسلامي، وبالرغم من ذلك كان د. رمضان حريصًا على عدم انحراف بندقية الجهاد الإسلامي عن مسارها الحقيقي باتجاه العدو الصهيوني.

ثانيًا: انتفاضة الأقصى: في أعقاب اقتحام شارون والجيش الصهيوني للمسجد الأقصى اشتدت المواجهة الشعبية والعسكرية مع العدو الصهيوني، ولاحظ المتابعون تعاظم قدرات سرايا القدس التي نفذت أقوى العمليات النوعية والجريئة في غزة والضفة والقدس والـ٤٨، وبعض العمليات كانت تُنفذ بمشاركة الأجنحة العسكرية لحركات المقاومة الأخرى. في هذه المرحلة حدثت معركة مخيم جنين والذي كان منبع  الاستشهاديين الذين نفذوا أكبر العمليات داخل أراضينا في الـ٤٨ ضد العدو الصهيوني واعتبرها المتابعون اليهود والأجانب ملحمة سطرتها المقاومة الفلسطينية بقيادة الجنرال الشهيد محمود طوالبة قائد سرايا القدس بمشاركة كتائب القسام وشهداء الأقصى، وقد كان على تواصل مع د. رمضان حتى لحظات استشهاده، ومن أهم العمليات التي نفذتها سرايا القدس في هذه المرحلة عملية "زقاق الموت" في وادي النصارى وسط مدينة الخليل في ١٥/١١/٢٠٠٢، وقُتل فيها الحاكم العسكري الصهيوني لمدينة الخليل "درور فينبرغ" و١٣ من الضباط والجنود الصهاينة وقد تميزت العملية بمنتهى الدقة في التخطيط والتنفيذ والتوقيت. ولن ينسى التاريخ الفلسطيني اندحار شارون رئيس وزراء الكيان عن قطاع غزة بعد التكلفة العالية التي دفعها الاحتلال الصهيوني نتيجة العمليات العسكرية القوية التي استنزفت الاحتلال جنودًا ومستوطنين وقد نفذت سرايا القدس أخطر العمليات العسكرية، إن كانت اقتحام مستوطنات أو قنص جنود أو تدمير دبابات الميركافاة والجرافات الصهيونية بعبوات ناسفة، وبعض العمليات نفذتها السرايا بمشاركة أجنحة المقاومة العسكرية في غزة.

 لقد كان الدكتور رمضان حريصا على تقوية سرايا القدس وإمدادها بكل ما تحتاج إليه من مال وإمكانيات وترتيب عملها باشرافه المباشر مع الدائرة العسكرية للحركة واستقبال المجاهدين الذين يتلقون التدريبات القتالية خارج فلسطين ومشاركته لهم في ميادين التدريب، وهو الذي كان يتابع المعارك التي خاضتها سرايا القدس مع كتائب القسام وحركات المقاومة في غزة في كل جولة قتالية بدءاً بالأعمال المسلحة والتفجيرات التي كانت تنفذها السرايا على الحدود، مثل: عمليات تدمير دبابات الميركفاه في رفح وحى الزيتون وليس انتهاءً بالصواريخ التي دكت تل أبيب والعمق الإستراتيجي الصهيوني في أراضينا المحتلة عام ٤٨ وحضوره السياسي كان مؤثرًا في اتفاقيات وقف اطلاق النار في القاهرة مع العدو الصهيوني إلى جانب قيادة حماس السياسية، وقد تابع لحظة بلحظة أحداث انتفاضة القدس والتي منعت تقسيم الاقصى، والتي فجّرها  الشهيد البطل مهند حلبي في ٣/١٠/٢٠١٥ الطالب في جامعة القدس، وينتمى للرابطة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة الجهاد الاسلامي، فأبهر د. رمضان فعله وجرأته وهو يهاجم  الجنود المدججين بالسلاح ليقتل منهم ثلاثة ويصيب ثلاثة فأنشد له د. رمضان قصيدة طويلة بعنوان "قمر الثائرين".           

ثالثًا: الانقسام: والذى اعتبره الدكتور رمضان الضرر الاكبر على القضية الفلسطينية، وحاول بما يمتلكه من ملكات القبول لدى فتح وحماس التدخل لإنهاء الانقسام، وهو الذى رفض أن تتلبس الحركة بأيّ من إفرازات اوسلو، وظهرت صوابيّته المطلقة في عدم خوض الانتخابات التشريعية عام ٢٠٠٦، وكان همّه إعادة الاعتبار للمشروع الوطني التحرري، وحنكته السياسية كانت حاضرة في معظم جلسات  المصالحة بين فتح وحماس ولمساته واضحة فيما نتج عنها من اتفاقيات، وبعد أن وصلت المصالحة إلى طريق مسدود وضع شهادته امام الشعب الفلسطيني في الانطلاقة الجهادية لحركة الجهاد الاسلامي عام ٢٠١٦بمبادرته ذات العشر نقاط كمخرج حقيقي من المأزق الفلسطيني وانهاء معاناة شعبنا، وقد تميزت بفلسطينيتها وواقعيتها وجديتها ووضوحها، وكل المبادرات التي قُدمت لإنهاء الانقسام بعد ذلك اعتمدت على ما قدمته مبادرة د. رمضان من رؤى.

هذا هو جهد وهمُّ وإرثُ د. رمضان أمانةٌ في أعناقنا جميعًا، فهلّا حملناها بإيمان وإخلاص وصدق ووعي حتى نلقى الله وهو راضٍ عنا.