تلقيت دعوة من النائب العام المستشار ضياء المدهون لمناقشة الظواهر المجتمعية السلبية، لاشك أنني لم أتأخر عن الحضور انطلاقًا من قناعتي أن بعض الأمراض المجتمعية الطارئة آخذة بالتزايد، وأن محاربتها لا تقع على عاتق شريحة مجتمعية بعينها، بل بحاجة لتضافر الجهود لمواجهتها.
بدأ الاجتماع في حضور نخب حكومية وشعبية، ووضعت على الطاولة ملفات عديدة لعل أهمها: التسول أشكاله كافة – التلوث السمعي الذي يتسبب فيه الباعة المتجولون بالميكروفونات – الكلاب في المناطق العامة – النظافة العامة – التعدي السافر على البيئة – السحر والشعوذة – إلخ من الملفات التي حملها الحضور بكل مسئولية.
أكثر ما لفت انتباهي هو حرص النائب العام على متابعة أعمال اللجنة المكلفة بمتابعة ومحاربة هذه الظواهر الطارئة على شعبنا، ومن وجهة نظري في ترتيب الأولويات بشأن الظاهرة الأخطر مجتمعيًّا إنني أرى أن التسول بأشكاله كافة ينبغي أن يتصدر الأولويات، إذ تزداد الظاهرة ازديادًا لافتًا، والأخطر أننا بتنا نشاهد تغيرًا في سلوك المتسول، إذ عهدنا المتسول مسكينًا وصوته يكاد يسمع وعينه في الأرض، لكننا اليوم أمام متسول قد يوجه لك الشتائم في حال لم تعطه، وما أخشاه أن يأتي يوم يصبح هذا المتسول بلطجيًّا يحمل سلاحًا أبيض لتهديد وترويع أمن كل شخص لا يقدم له المال.
أخصص هذا المقال عن التسول وأضع بيد يدي أبناء شعبنا أقصر الطرق لمواجهة تلك الظاهرة.
أولًا: التسول
التسُّول ظاهرة موجودة في البلدان العربية وغير العربية، ولكن هذه الظاهرة لم تكن ملحوظة في قطاع غزة، هذه البقعة الجغرافية التي تتسم بالتكافل والتعاضد والتماسك العائلي والعشائري لا يمكن أن تسمح لأحد أفرادها بالتسول، ولكن في السنوات الأخيرة بدأ الغزيون يلحظون زيادة في أعداد المتسولين، ودخلت شريحة الأطفال والنساء للعمل متسوّلين وإن اختلف الشكل، فللتسول أشكال منها المباشر ومنها المقنع ومنها الإلكتروني.
1. التسول المباشر:
جوهره أن يمد المتسول يده لطلب المال أو الطعام مباشرة من الناس.
2. التسول المقنع:
جوهره يقوم على ممارسة المتسول مهنة مثل بيع البسكويت وما شابه أو مسح زجاج السيارات على المفارق العامة، أو أمام المولات التجارية، ويعمل الأطفال والسيدات بكثرة في هذا النوع من التسول.
3. التسول الإلكتروني:
يمارسه بعضٌ مستخدمًا وسائل التواصل الاجتماعي لجلب المال بذرائع مختلفة.
بكل الأحوال بات المواطن منزعجًا من هذا السلوك الطارئ والغريب على أبناء شعبنا، لما يشكله من مخاطر عليهم، فالمتسول قد يكون مشروع مجرم في المستقبل، فحسب بعض المعلومات التي توافرت من الأجهزة الأمنية في غزة إن بعض عمليات السرقة كان يمتهنها متسولون، وهذا يشكل خطرًا أمنيًّا على أبناء شعبنا، والأخطر من ذلك أن المتسولين في معظمهم يمتهنون التسول مهنة، لا حاجة اقتصادية، فقد أفادني أحد العاملين بوزارة التنمية الاجتماعية أنهم جلبوا متسولًا للوزارة وبعد البحث الاجتماعي عليه وجدوه يستحق أن ينضم لبرنامج الحماية الاجتماعية، وعند تقديم هذا العرض رد عليهم قائلًا: "كيف تقايضونني على راتب 100 شيكل يوميًّا تقريبًا براتب 500 شيكل شهريًّا؟!".
إن المواطن الذي يقدم بحسن نية أمواله للمتسولين يساهم دون قصد في تعزيز هذه الظاهرة، التي ستنعكس بالسلب على الأمن المجتمعي، وعليه فإنني أناشد:
1. شعبنا المعطاء ألا يقدم للمتسولين أي أموال ويوجه صدقاته بطرق أخرى تعزز من التكافل الاجتماعي وتصل إلى أيدي المحتاجين الحقيقيين، وهذا البند هو الأكثر أهمية لمحاربة التسول.
2. الحكومة والمجتمع المدني أن يقودوا برنامجًا متكاملًا يساهم في الحد من الظاهرة، وتتكاتف كل مكونات شعبنا لنبذها ورفضها.
3. المخاتير والوجهاء الذين يخرج من عوائلهم المتسولين أن يكون لهم موقف للحد من الظاهرة، فهي تسيء للجميع عامة والعوائل التي يخرج منها هؤلاء خاصة.
الخلاصة: بدأت الحكومة إجراءات العودة للحياة الطبيعية التي توقفت بسبب جائحة كورونا، ومن هذا الإجراءات عودة العمل في برنامج مكافحة التسول الذي تقوده وزارة التنمية الاجتماعية بالشراكة مع وزارات وبعض مؤسسات المجتمع المدني، وعليه أتمنى على أبناء شعبنا أن تتضافر الجهود لإنجاح هذا البرنامج، وكما قلت: توقف عن منح المتسول تتوقف الظاهرة فورًا، والعكس صحيح.