يجري الترتيب الصهيوني لتنفيذ خطة الضم لأجزاء واسعة من الضفة الغربية في ظل واقع فلسطيني معقد على صعد عدة، ولعل أبرز تحديين يواجهان الإرادة الفلسطينية المنتظر منها مواجهة الخطة هما الموجة الجديدة من الإصابات بفيروس كورونا في الضفة الغربية، وتأخر الرواتب، دون أن يتبين أفق لأمد هذا التأخير أو ما يمكن أن يجري على هذا الصعيد في الأشهر القادمة.
موجة الإصابات الجديدة التي تبدو كثيفة مقارنة مع سابقتها وخاصة في جنوب الضفة خلقت لدى قطاعات واسعة من المواطنين حدساً تشكيكياً واسعا، ورغم أن الانغماس بالاعتقاد بنظرية المؤامرة فيما يخص هذا الموضوع تحديداً ينطوي على هوس ومبالغة وسوء فهم أو تقدير، إلا أنه متأسس على انعدام ثقة المواطن بالسلطة وتشكيكه بإجراءاتها وحتى بتقاريرها الإعلامية والإخبارية، ولعلّ السلطة مسؤولة إلى حد كبير عن تزعزع جدار الثقة بينها وبين عموم المواطنين، لكن المحصلة أن الشارع الفلسطيني منشغل بشكل كبير بتطورات فيروس كورونا وبتتبع التحليلات والنظريات المتعلقة به، رغم أن غالبية هذه النظريات مغلوطة، إذ لا يمكن عملياً أن تكون الأرقام المعلن عنها خيالية، وليس من مصلحة السلطة ادعاء وجود وباء في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
أما ما يتعلق بقضية تأخر الرواتب فليس معروفاً على وجه التحديد مدى جدية الأمر، نظراً لتزامن هذا الانقطاع مع ترتيبات خطة الضم، لكن السلطة تواجه ضائقة مادية بالفعل، نتيجة للظروف الأخيرة، إنما ليس معروفاً إن كان عمق هذه الضائقة حادّاً إلى درجة عدم تمكنها من صرف رواتب موظفيها العموميين، غير أن النتيجة التي تنعكس مباشرة على الواقع الفلسطيني بسبب انقطاع الرواتب من جهة وتعثر عجلة الاقتصاد نتيجة ظروف الفيروس من جهة أخرى هي تردي الحالة الاقتصادية على نحو غير مسبوق داخل الضفة الغربية، وهو أمر يؤثر بشكل مباشر على إمكانيات مواجهة خطة الضم، ويخلق تحديات كثيرة يصعب تجاهلها عند الحديث عن آفاق المواجهة.
في مقابل ذلك ينطوي خطاب السلطة الإعلامي على كثير من المبالغة والتهويل عند الحديث عن استعداداتها لمواجهة الخطة، ويبدو أن هذه النبرة مقصودة لبثّ رسائل تطمينية داخلية بأنها جاهزة للمواجهة وإفشال الخطة، فيما الحقيقة المجردة أن أياً من إجراءاتها المدعاة لن تصنع شيئاً ملموساً على الأرض، خصوصاً عند ملاحظة أن تلك النبرة العالية تبقى محددة بسقف عدم مصادمة (الشرعية الدولية)، والحفاظ على الطابع السلمي للاحتجاجات، أي أنّ أيّ نمط مسلح للمواجهة ستقف السلطة في وجهه أولا.
تلك السياسة لا تفيد شيئاً في مجابهة خطر بوزن خطة الضم، لا سيما وأن أهم تبعاتها إنهاء كل فرص قيام دولة فلسطينية في الضفة، ونسف مشروع التسوية من أساسه، وفرض واقع جديد لا يراعي أي وجود للفلسطيني، سواء أكان شعباً أم مستوى رسميا، وهو ما يعني أن السلطة تبدو (كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح)، وإن كانت تراهن على تحرك جماهيري واسع استجابة لنداءاتها، فهذا لا يبدو متاحاً لو كان تحركاً سلميا، للتحديات أعلاه التي تعيق مثل هذا التحرك أولا، ولعدم قناعة عموم الجمهور بجدوى هذه الأنماط من الاحتجاج ثانيا.
في المحصلة، إن كانت السلطة راغبة فعلاً في مواجهة الخطة فإن عليها أن ترفع يدها عن كثير من الممنوعات في عرفها قبل كل شيء، وأن تتيح لغيرها أن يفعل ما تعجز عنه هي، لا أن تجبر كل عازم على المواجهة على الالتزام بمحددات سقفها، وهي محددات تكبل الفعل الرادع، وتخلخل الثقة بإمكانية أو جدوى الفعل في ظل وجود السلطة، وتطمئن المحتل بأن تغوّله الجديد لن يخلق واقعاً جديداً ولن يقود إلى فعل متفجر ومتصاعد.