طالبت محكمة الجنايات الدولية السلطة الفلسطينية بتوضيح موقفها بشكل رسمي حول قرارها التحلل من اتفاقية أوسلو وجميع متعلقاتها، حيث إن الدعاوى التي أقامها الجانب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي مرتكزة أساسا على اتفاقية أوسلو، فإن أكدت السلطة الفلسطينية تخليها عنها فهذا يعني أن قرار محكمة الجنايات سيختلف كليا، وقد يتم إسقاط كل الدعاوى الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
الملاحظ في الأمر أن محكمة الجنايات لم تبت بشكل نهائي بأي قضية تقدم بها الجانب الفلسطيني، ولم تتخذ أي إجراءات ضد الاحتلال الإسرائيلي وقادته من مجرمي الحرب، ولكن هذه الخطوة قد تكون لإحراج السلطة الفلسطينية والضغط عليها للتراجع عن قرارها، وهذا أشبه بالمساعدات التي أرسلتها الإمارات للسلطة عن طريق مطار بن غوريون الإسرائيلي دون إبلاغ السلطة والتنسيق معها في أعقاب اتخاذ السلطة قرار وقف كل أشكال التنسيق مع الجانب الإسرائيلي، أي أن الإمارات سعت إلى الضغط على السلطة لكسر قرارها دعما للاحتلال الإسرائيلي ولو لم تكن النية كذلك لسحبت مساعداتها واحترمت قرار السلطة دون ضجيج.
العقبات التي ستواجه السلطة لن تقف عند محكمة الجنايات الدولية ولا عند مواقف محور التطبيع العربي الذي تقوده الإمارات، بل هناك عقبات أكبر تتعلق بوجود السفارات الفلسطينية والاتفاقات والمواثيق التي وقعت عليها السلطة الفلسطينية كنتاج لاتفاقية أوسلو، فضلا عن الإجراءات التي قد تتخذها دولة الاحتلال التي تتحكم بحركة الفلسطينيين وبكل تفاصيل حياتهم.
لا أريد التقليل من القرار الذي اتخذته السلطة رغم رفضي المطلق لاتفاقية أوسلو، ولكن لا بد من ثبات السلطة الفلسطينية على موقفها، ولا بد أن تدرك أن اتفاقية أوسلو مشروع خاسر وفاشل ولن يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية ذات سيادة في يوم من الأيام، ولذلك عليها العودة إلى الشعب الفلسطيني بكل فصائله من أجل إقامة دولة فلسطينية على مناطق 67 على أساس المقاومة وعدم الاعتراف بشرعية الاحتلال على ما تبقى من أراضٍ محتلة "مناطق 48". على السلطة أن تستعيد أوراق القوة بإنهاء الانقسام وتطبيق اتفاقية القاهرة ووثيقة الأسرى، وحينها ستجد دولة الاحتلال كل الفلسطينيين موحدين ضدها، وهذا سيناريو له تكاليف باهظة جدا ولكن النتيجة مؤكدة وهي قيام دولة فلسطينية قابلة للتمدد واستعادة الوطن حتى آخر شبر.