أمام هول المؤامرات التي تُحاك ضد القضية الفلسطينية (الشعب والأرض والهوية).. والمحاولات العابثة لتقسيم حدود فلسطين ما بين أرض الـ٦٧ وأرض الـ٤٨.. حتى أصَمُّوا آذاننا بأوهام السلام الذى سيُقيم لنا دولة على أراضي الـ٦٧ والتي تجزأت ما بين كانتونات يتجمع فيها الفلسطينيون ومساحات لا محدودة يقضمها الاستيطان الصهيوني.. قد يُصيب البعض ضعفٌ بشريٌ يدفعه للهذيان متسائلًا: هل بقيت جغرافيا فلسطين التي قرأناها، وتاريخها الذى عشقنا تفاصيله؟.. وكأنَّ كلَّ شيء تلاشى والتاريخ اندثر.. وتناثرت فلسطين كحبات الخرز..
واهمٌ من يعتقد أنهم استطاعوا تزييف التاريخ والجغرافيا كما العهد القديم.. وعار يلاحقنا إن منحناهم فرصة ليخدشوا قناعاتنا.. ويُسقطوا ثوابتنا.. ويمسحوا الذاكرة.
أينما تجول بناظريك ترى فلسطين حاضرة، تُطل مرفوعةَ الرأسِ شامخةً، كالجبال الراسيات.. بالتين والزيتون حول المسجد الأقصى.. وبَرَكة حَضْرة النبي محمدٍ في ليلة الإسراء.. وبُشرى مريم البتول على تلال الناصرة.. وولادة عيسى المسيح في مغارة المهد في بيت لحم.. بتراب بيت المقدس المُخضَّب بالدماء الطاهرة، ومِن حوله تحت الثرى جثامين تقية.. برطوبة حبات الندى الفضيَّة تكسو سفوح جبال الكرمل الشَمَّاء.. والصنوبر الحلبى والبلوط تعانق الجُرْمُقَ على أرض الجليل.. بحذاقة الليمون وحلاوة البرتقال في يافا، وميناء حيفا الجاثم على أمواج المتوسط، وأشجار النخيل الباسقات في دير البلح، ومنطار غزة والمسجد العمري، وقلعة برقوق العريقة في خان يونس، وبطحاء رفح الممددة على طول سيناء وعرضها، وعُشّ العلماء والحفاظ في حلقات العلم وكتاتيب نابلس، وقوافل التاريخ التي مرت على طولكرم، وجنين -يعبد القسام ومخيم أبى جندل وطوالبة وأبى الهيجا الثائرين، ومصياف رام الله، بهزيج البائعين "ريحاوي يا موز" و"خليلي يا عنب"، وخرير شلالات بانياس المنسابة كالحرير، وإبداع الخالق للجمال في بيسان الناظرة، ونسيم عمواس الذى يشفي العليل، برمال شاطئ عسقلان الناصعة البياض الناعمة، وسور عكا المنتصر على جحافل نابليون، وقوافل الحُجَّاج التي حطت رحالها في الرملة، في مرج بن عامر وصرخة "وا إسلاماه" التي حطمت همجية التتار، وفى حطين صلاح الدين عسكر، مُدمرا حُلم الصليب.. بتكبيرات صادحة من مآذن الأقصى والحرم رغم أنف الغاصبين.. بشيوخ فلسطين وأطفالها.. ورجالها ونسائها.. بشبابها وشاباتها.. بسهولها وهضابها.. بوديانها وجبالها.. بصحرائها وبحارها.. بمخيمات اللاجئين المتناثرة في البلاد ترقب لحظة المعاد الآتية.. بشطآنها المرصعة بماء الذهب في وقت الأصيل.. بجمالها الذى يعجز عن وصفه بشر.. تضرب في أعماق الماضي البعيد وآفاق الحاضر المشهود.. يَلفُّها قوس قُزَح من رأس الناقورة الى رفح.. تختصر الحكايات التي لن تنتهى.. وتعلن أنها ستبقى فلسطين..