أنشأ اتفاق أوسلو ثلاثة أقسام إدارية مستقلة ومؤقتة في الضفة الفلسطينية وهو ما سمي بمنطقة (أ) و(ب) و(ج) حيث وبموجب هذا الاتفاق بقت هذه المناطق مجزأة، وجرى التقسيم حسب المناطق السكانية ومتطلبات الاحتياجات الإسرائيلية الإدارية والأمنية مع هامش محدود يراعي الوجود والسيادة الفلسطينية في جزء من هذه المناطق.
فكانت مناطق (أ) تخضع للسيطرة الإدارية والأمنية الفلسطينية، بينما خضعت مناطق (ب) لإدارة مختلطة إداريًّا للسلطة وأمنيًّا لإسرائيل، وبقت مناطق (ج) خاضعة تمامًا للسيطرة الإسرائيلية كونها رمانة الميزان بما تمثله من أهمية إستراتيجية من النواحي الجغرافية والأمنية والسياسية التي تحصل عليها إسرائيل من خلال إحكام سيطرتها على هذه المنطقة التي تمثل 60% من مساحة الضفة.
الأمر الذي يجعل الساسة الإسرائيليين في حالة مبارزة دائمة أمام حلبة الاستيطان، فكل منهم يسعى لإدماج خطط التوسع والضم في برامجه الانتخابية لنيل رضا جمهور المستوطنين والفوز بحظوظ فارقة على خصومه، فأكثرهم تطرفا تجاه الفلسطينيين هو أوفرهم حظا للفوز برئاسة الحكومة إذا ما كان قادرا على الإيفاء بوعوده.
لكن وعلى الرغم من كل المحاولات الإسرائيلية لإضفاء الصبغة القانونية على وجود المستوطنات إلا أن المجتمع الدولي لازال يعتبر النشاط الاستيطاني بمثابة جريمة حرب كونها تأتي مخالفة لمفاهيم القانون الدولي والإنساني وتنتهك بشكل واضح اتفاقية جنيف الرابعة، فنظرة العالم لهذه المستوطنات على أنها غير قانونية نابع من أن هذه الأرض هجر منها سكانها الاصليين قسرا بعد أن أخضعوا لظروف قاسية ما بين التهديد بالقتل أو الاعتقال والابعاد.
وعلى الرغم من المواقف الامريكية الداعمة لإسرائيل في خطواتها التوسعية العدوانية والتي وصلت الى ذروتها في عهد إدارة ترامب، فإنها ستبقى عاجزة عن توفير شرعية لفعل إسرائيل، لكن هذه المواقف تأتي في سياق توفير الغطاء السياسي للحليف الاستراتيجي بغض النظر عن شرعية الخطوات من عدمه، فمربط الفرس هو المصالح المشتركة والمحافظة على أمن وسيادة الكيان دون الاعتبار لمصير الفلسطينيين أو لقرارات الشرعية الدولية.
وفي هذا السياق يمكن تذكر عشرات القرارات الدولية التي شكلت انحيازا للعدالة وقواعد الانصاف الدولي، وهي تنسجم مع حقوق الشعب الفلسطيني، والتي عايشناها كانتصارات يزفها الينا المستوى القيادي في السلطة، لكنها بكل أسف بقت حبيسة الأدراج ولم ترَ النور لأسباب موضوعية مختلفة أبرزها، عجز المجتمع الدولي عن إلزام إسرائيل للعمل بمقتضياتها، وترهل الموقف العربي الذي لم يساهم بأي صورة في ممارسة الضغوط على إسرائيل وحلفائها في المنطقة.
أما الموقف الفلسطيني الرسمي فلم يستطع الإفاقة من سراب السلام وبقي يحبو كالطفل الصغير وراء الدعابة الإسرائيلية، يلقي بأوراق القوة عند أي عرض رخيص أو حتى شعور بتهديد حقيقي يمكن أن يمس بامتيازات رموز السلطة، فنحن على أعتاب نكبة جديدة ربما تنضم لنكبة عام 1948 ليصبح شعبنا يعايش النكبات التي تتشكل ما بين استمرار العدوان وانهيار النظام السياسي وفقدان البوصلة الوطنية.
لكن ومع انعدام الأمل في موقف عربي جامع، أو موقف سياسي أكثر وطنية من قيادة السلطة، فإنه يمكن المراهنة على المقاومة التي يجسدها الشعب الفلسطيني فهي الفرصة الحقيقية لانتزاع الحقوق والسبيل لتصحيح المسار.