أم حرام بنت ملحان الأنصارية الخزرجية، من بني أخوال رسول الله (بني النجار) وخالته في الرضاعة أيضًا، طهر الله قلبها بالإسلام بعد إسلام زوجها عبادة بن الصامت (أحد النقباء الاثني عشر الذين بايعوا بيعة العقبة الأولى)، ومنذ إسلامها ما تركت الجهاد قط؛ فما كانت غزوة في وقتها إلا وتراها خرجت مع جيش المسلمين تروي عطشهم وتداوي جراحهم، وإذا أقامت فتحت بيتها لضيافة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؛ فقد كان بيتها من أحسن البيوت وأحبها إليه، ولم يكن العرب في وقت أم حرام يعرفون ركوب البحر.
وعندما أخذت الدولة الإسلامية في التوسع مع الفتوحات الإسلامية، ووقف البحر عائقًا أمام تقدمها؛ ألح معاوية على عمر بن الخطاب في غزو قبرص، وركوب البحر لها، فكتب عمر إلى عمرو بن العاص أن اكتب لي وصف البحر وراكبه، فكتب له، فلما قرأ عمر، كتب إلى معاوية، أشفق على المسلمين، ومنعهم من الغزو فيه، ولكنه لم يمنع السفر والتجارة عبر البحر.
وعندما ولي عثمان بن عفان الخلافة، استأذنه معاوية والي الشام في غزو البحر أكثر من مرة، حتى أجابه عثمان، فكان أن اتجه الأسطول الإسلامي عام 28 هجريًّا نحو جزيرة قبرص في البحر المتوسط لأهميتها في التجارة والملاحة، وحماية الفتوحات الإسلامية في بلاد الشام وإفريقيا. وكسر فتح قبرص الحاجز النفسي الذي كان لدى المسلمين من ركوب البحر، ليبدأ الصراع بين المسلمين والروم تمهيدًا لنصر المسلمين بعد ذلك.
ركب المسلمون البحر للمرة الأولى غزاةً فاتحين، ترافقهم أم حرام الأنصارية، تحفظ دعوة لها من رسول الله أَن يجعلها من أول الفاتحين، وفعلًا خرجت مع أول فوج منهم تركب البحر، حتى كانت من أوائل من وصل إلى قبرص.
فمن شدة حب أم حرام للجهاد في سبيل الله، طلبت الدعاء من رسول الله، أن تكون ممن يركبون البحر في سبيل الله، مع جهلها بهذا الخضم المهيب، والإنسان بطبعه يخاف من المجهول، فكيف إذا كانت امرأة، والنساء أقل صلابةً في مشاعرهن من الرجال؟!، ولكنه حب الله وطلب رضاه هو الذي جعلها تقحم نفسها في مجهولٍ لا تعلم عنه شيئًا، ولما خرجت مع زوجها عبادة غازية في البحر, ووصلت إلى جزيرة قبرص، خرجت من البحر, فقربت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت ودفنت في موضعها، لتحقق بذلك نبوءة رسول الله لها، واللهِ صدقت يا نور عيني، يا رسول الله.