في يوم واحد أعلنت الحكومة الفلسطينية عن إصدار قرارين متناقضين، الأول يتعلق بخصم يومَيْ عمل من كل موظف عمومي لصالح الحكومة لمواجهة وباء كورونا، والثاني يتعلق بمكافآت وتحسين رواتب وظروف تقاعد من هم برتبة وزير من رؤساء هيئات ومؤسسات ومستشارين وغيرهم.
الغضب الفلسطيني ظهر جليًّا احتجاجًا على تلك القرارات الغريبة بل والصادمة، فضجت المواقع والصحف ووسائل التواصل الاجتماعي مما اضطر رئيس الحكومة لإعلان التراجع عن القرارين في أقل من 24 ساعة، حيث قال د. اشتية: إن القرار المتعلق بالخصم إجباري وكل من يرفض القرار عليه الاتصال بالجهة المسؤولة عنه لإعلامها برفضه للتبرع، وهذا يعني أن التبرع هو الأصل والرفض هو الاستثناء، ولا بد للحكومة أن تلغي القرار بشكل تام أو أن تطلب ممن يريد التبرع الاتصال بالجهة المسؤولة وليس العكس، وذلك منعا للإحراج ومنعا للضغوط المتوقعة على الموظفين المستنكفين عن التبرع "الطوعي".
أما بخصوص القرار الآخر فقد أعلن د. اشتية أن الرئيس ألغى حزمة التعديلات المتعلقة بقرار قانون التقاعد وتحديدا القرار بشأن تعديل قانون المكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي ومن هم برتبه وزير..الخ، ولكن السؤال: من الذي طالب الرئيس باتخاذ مثل هذا القرار ومن الذي طالبه بإلغائه، يعني إذا كنا "نشكر" الرئيس على إلغاء القرار وكنا قبل ذلك نشكره على اتخاذه فمن الذي طالب باتخاذ القرار؟ ومن الذي اعترض؟
المشكلة الحقيقية ليست في القرارين، ولكن في حكومة نشعر أحيانا أنها منفصلة عن الواقع وانها تعيش في وادٍ والشعب في وادٍ آخر، بل وجود العالم كله في واد وحكومتنا في واد آخر، هل سمعتم أن قرارات مماثلة لزيادة الرواتب والمكافآت تم اتخاذها على كوكب الأرض في ظل وباء كورونا سوى للطواقم الطبية؟ ولكن ليس لوزراء دون وزارات ولا لموظفين بدون وظائف.
الشارع الفلسطيني لم يستوعب فكره الاهتمام بتحسين أوضاع كبار الموظفين الحقيقيين والوهميين في ظل هذه الظروف الصعبة والحرجة، بل مثل هذه القرارات ستجعلنا أضحوكة أمام من نطالبهم بدعمنا مثل الأشقاء العرب والاوروبيين وغيرهم.
أعتقد أننا نعيش في ظل فوضى عارمة لا بد من وضع نهاية لها، ولن تستقيم أمورنا ما لم يكن هناك مجلس تشريعي منتخب وسلطات شرعية منتخبة، أما أولئك الذين يأخذون من المال العام بدون حق فإننا نبشرهم بأنهم يقترفون جريمة لا تسقط بالتقادم، وأن حسابهم قادم طال الزمان أم قصر، وكل مال عام تم اختلاسه سيتم إعادته من المختلس إن كان حيا ومن ورثته إن لم يكن.