دول كثيرة أجنبية وعربية أعلنت أن شهر مايو القادم سيشهد تخفيفا للإجراءات الوقائية المشددة التي تم فرضها سابقا لمنع تفشي وباء كورونا، وفي فلسطين تم اتخاذ قرارات مماثلة وخاصة في الضفة الغربية، ويبدو أن قطاع غزة سيشهد إجراءات مماثلة، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هو الدافع الحقيقي لتخفيف الإجراءات؟ وهل هي خطوة صائبة أم لا؟
حتى هذه اللحظة لم يتم العثور على دواء ناجع لمرض كورونا، وكل ما طرح من ادوية بديلة متوفرة سابقا في الاسواق لعلاج امراض اخرى، هذه الادوية لم تحظَ بمصادقة الجهات المختصة من أجل استخدامها لعدم نجاعتها وللمضاعفات الخطيرة التي قد تتسبب بها، وكذلك لم يتم اختراع اللقاح المناسب للفيروس ولن يتم توفيره قبل نهاية هذا العام على احسن تقدير.
الدول العربية ومنها فلسطين لم تعانِ كما عانت امريكا او بعض دول اوروبا من الوباء مثل ايطاليا وفرنسا واسبانيا، وقد يكون من اسباب عدم تفشي الوباء في هذه الدول الاجراءات المشددة والمبكرة التي تم اتخاذها، ولذلك قد ترتفع الاصابات بشكل مخيف في حال التخلي عن الحجر المنزلي والضوابط المتبعة للخروج من المنازل والاختلاط، وكذلك ان حدث أي تراخٍ في متابعة القادمين من الخارج وعدم إلزامهم بالحجر الصحي المشدد.
العالم الذي نعيش فيه عالم مال واعمال واقتصاد وليس عالم تكافل وتراحم وحماية الانسان، وغالبية الحروب التي حصلت والتضحية بملايين البشر كانت دوافعها اقتصادية بحتة، فلماذا سيمسح هذا العالم ذاته بتدمير الاقتصاد من اجل حماية بضعة ملايين من البشر؟ ولذلك نجد ان الدول الأجنبية مضطرة الى إعادة الحياة الى طبيعتها قدر الإمكان حتى تدور عجلة الاقتصاد من جديد، وتنتهي الأزمة الاقتصادية العالمية التي ضربت مجمل المصالح الغربية، ولكننا في الوطن العربي لدينا معايير مختلفة وحياة البشر مقدمة على الاقتصاد، وعندنا في فلسطين ليس لدينا اقتصاد حقيقي من اساسه وليس لدينا ما نخسره، فإن تراخينا واتخذنا اجراءات من اجل إعادة الحياة الى طبيعتها سيحصل لنا ما حصل في اوروبا والفرق اننا لا نملك ما تملكه اوروبا من امكانات طبية ومالية ولذلك ستكون خسائرنا البشرية مرعبة.
الحكومة الفلسطينية تعاني ماليا بسبب حالة الطوارئ، ولذلك قررت ان تخصم 40% من رواتب الموظفين العموميين لشهر مايو، ولكن هذا ليس سببا مقنعا لتقليد الغرب وتخفيف الاجراءات وانتظار نتائج "الانفتاح"، والأولى أن تستمر الاجراءات المشددة شهرا اضافيا، وننتظر نتائج الانفتاح في الدول العربية الأخرى ثم نقرر، ونحن نعلم ان خسائر السلطة خلال ثلاثة اشهر تعادل خسارة يوم عمل او اقل في الدول الاوروبية، فرنسا _على سبيل المثال_ تخسر 2 مليار دولار مع كل اشراقة شمس فضلا عن خسائرها المهولة في القطاع الخاص، وامر اخر لا بد من الاشارة اليه هو القرارات غير المدروسة لسلطة النقد التي تراجعت عن سياسة التسهيل المتعلقة بالشيكات المعادة وخاصة للموظفين العموميين الذين يتلقون رواتبهم بانتظام، وكما لاحظنا لن يتمكن الموظفون من تلقي رواتبهم كاملة الشهر القادم، ولذلك لا بد من ضبط النفس وعدم الاستعجال عند اتخاذ القرارات لأن ذلك سيربك الشارع الفلسطيني وقد يؤدي إلى فوضى لا تحمد عقباها.