فلسطين أون لاين

الفلسطينيون في القدس الشرقية: العيش تحت وطأة فيروس قاتل واحتلال غاشم (1-2)

تكشف جائحة فيروس كورونا عن الحقائق البشعة والظلم اللذين يصنعهما احتلال لم يعد من الممكن تجاهله.

يخيم مناخ من الخوف الشديد على الحياة الفلسطينية في القدس الشرقية المحتلة؛ حيث أدت إجراءات الحكومة الإسرائيلية المفروضة للحد من انتشار فيروس كورونا إلى تعميق تجربة المجتمع الفلسطيني المريعة مع العزلة، والتشريد، والعجز، والفقر المدقع.

نادرة شلهوب كيفوركيان، رئيسة وأستاذة كلية الخدمة الاجتماعية والقانون في الجامعة العبرية بالقدس، وأستاذة الكرسي العالمية للقانون في جامعة كوين ماري في لندن، والأخصائية الاجتماعية الفلسطينية البارزة والباحثة الاجتماعية-القانونية، هي مواطنة فلسطينية تقيم في المدينة القديمة في القدس. وقد تحدثت خلال اجتماع عقد بواسطة تطبيق "زوم"، عن حالة الخوف واليأس التي لا مثيل لها على كل جبهة تشاهدها في المدينة.

وفقًا لكيفوركيان، قامت السلطات الإسرائيلية باعتقال مسؤولَين فلسطينيين كبيرين -وزير شؤون القدس ومحافظ القدس- ثم أطلقت سراحهما بشرط "ألَّا يعملا لدى السلطة الفلسطينية في القدس، وألَّا يتجولا في المدينة لمدة 14 يومًا". وتم تعطيل المبادرات المجتمعية لتوزيع الطرود الغذائية في المدينة بشكل عنيف؛ والتعليم هناك متشظٍ تمامًا حيث يبقى الأطفال في المنازل، وبعضهم ليس لديهم أجهزة كمبيوتر محمولة ولا اتصال بشبكة الإنترنت، وغالبًا ما يعانون الجوع الآن بما أن المدارس مغلقة؛ وكانت إمدادات المستشفيات الفلسطينية الستة من المعدات والأدوية غير مستقرة مسبقًا، لكنها تدهورت أكثر بعد عام 2018 بسبب القرار الأمريكي بقطع تمويل بقيمة 25 مليون دولار عن مستشفيات القدس الشرقية، ولا ينطوي أحد على أي أوهام بأنها قد تواجه فيضًا من مرضى فيروس كورونا من ذوي الحالات الحرجة.

أوضحت شلهوب-كيفوركيان أنه "يُستخدَم انتشار فيروس كورونا كفرصة لمزيد من تمزيق المجتمع الفلسطيني في القدس وتدمير قدرته على العمل، وعلى مواجهة هذه الحالة الصحية الجديدة، إلى جانب تفاقم فقر الناس في المدينة. ولا يُسمح للسلطة الفلسطينية بالعمل هناك، في حين تتعرض 81 منظمة مجتمعية قامت بتعبئة نفسها تحت اسم "تحالف القدس" للاستهداف من سلطات الاحتلال، وغالبًا ما يتم تقويض جهودها. وهناك سلسلة متواصلة من الاعتقالات وعمليات الطرد والإخلاء، ومصادرة الطرود الغذائية، وكذلك الفواكه والخضراوات من الباعة المتجولين ومضايقة أصحاب المحلات، في حين تفرض السلطات غرامات لا يمكن دفعها بسبب الانتهاك المفترض لتعليمات مكافحة فيروس كورونا؛ مثل الذهاب إلى مركز للشرطة لدعم الإفراج عن قريب".

وأضافت: "الخوف في كل مكان، في كل زاوية شارع وفي كل منزل. كل هذا وسط حالة من عدم اليقين الكامل حول ما الذي يمكن أن يعنيه الفيروس ومتى يمكن أن يضرب. ليست هناك معلومات، والكثير منها باللغة العبرية فقط، وتعمل مجموعاتنا على ترجمتها إلى العربية قدر الإمكان. في كل مكان هناك خوف من الجوع أيضًا، مع تقويض سبل العيش بسبب القواعد والتعليمات الجديدة. وفي هذه الأثناء، يرى كل واحد منا تزايد وجود المستوطنين في القدس الشرقية، وكذلك تدخل الدولة الإسرائيلية في كل جانب من جوانب الحياة، واستخدام الشاباك (أجهزة المخابرات) لغزو خصوصيتنا. إضافة إلى ذلك، نرى كيف يستهدفون كل حي بشكل مختلف، على سبيل المثال، هاجمت الشرطة السرية بالكلاب مؤخرًا مخيم شعفاط للاجئين واعتقلت تسعة أشخاص وجرحت آخرين، لكن الاعتقالات في صفوف الشباب ومضايقتهم تجري في كل مكان. عنف الشرطة هنا يُمارس كل يوم".

يعيش الفلسطينيون الذين يسكنون في القدس مسبقًا في عالم كافكي من القواعد البيروقراطية المتغيرة والمتناقضة التي تتحكم بكل جانب من جوانب حياتهم. وبالنسبة للخارجيين، يكاد يكون من المستحيل تخيل فرادة هذا المستوى من التوتر وعدم اليقين. وحتى إذا تم فهمه فمن المستحيل التعبير عنه بقدرة كافية. هناك قلق حاد مستمر وحتمي حول مستقبل هؤلاء الفلسطينيين البالغ عددهم 420.000 فلسطيني، حيث أشرفت قوانين (إسرائيل) الوحشية بشأن حقوق الإقامة على عملية التطهير العرقي التدريجي لنحو 15.000 فلسطيني من القدس الشرقية منذ عام 1967.

من بين الإجراءات التي طبقتها (إسرائيل) تلك التي تلزم الفلسطينيين بإثبات أن المدينة هي "مركز الحياة" بالنسبة لهم كشرط للاحتفاظ بإقامتهم. وقد وصف المحامون والقانونيون هذه السياسة بأنها انتهاك للقانون الدولي، والتي تسببت في "إضفاء الطابع المؤسسي على وضع التجريد من الجنسية والتهجير القسري للفلسطينيين من القدس الشرقية". وينص قانون آخر على أن أي "خرق للولاء" من قبل فرد أو فرد من العائلة يمكن أن يؤدي إلى سحب الإقامة، وهناك أيضًا حظر على لم شمل الأسر. وهناك الآلاف من العائلات الفلسطينية حيث يكون أحد الزوجين مواطنًا إسرائيليًا والآخر مقيمًا في الأراضي المحتلة، التي تأثرت بالقانون، حيث أجبر الزوجان على الانفصال أو الانتقال إلى الخارج أو العيش في إسرائيل خوفًا من الترحيل النهائي.

لا بد أن يكون أي زائر غير رسمي للمدينة على مدى العقدين الماضيين قد لاحظ التحول الهائل في الشوارع الضيقة التاريخية في البلدة القديمة، حيث تزايدت الأعلام الإسرائيلية والمستوطنون المسلحون والتواجد العسكري الكثيف. والحال نفسه ينطبق على المناطق الفلسطينية سابقًا خارج البلدة القديمة، مثل الشيخ جراح وسلوان، حيث هُدمت منازل الفلسطينيين، أو انتقل المستوطنون الإسرائيليون ببساطة واستولوا على كل -أو جزء من- منزل مملوك لعائلة فلسطينية لأجيال.

المصدر / أوبن ديمُكراسي