عشرات عمليات الاغتيال نفذها "الموساد" الإسرائيلي منذ قيام كيان الاحتلال عام 1948 فوق أراضينا الفلسطينية المحتلة، طالت رموز وقادة المقاومة الفلسطينية والعربية والإسلامية، متبعاً فيها أساليب عدة.
وتشير سجلات عمليات الموساد -وهو منظمة المخابرات والخدمة السرية لكيان الاحتلال تأسس عام 1951، إلى تنفيذه نحو 15 جريمة اغتيال خلال العقود الثلاثة الماضية ارتقى فيها نحو 17 شهيداً استهدفوا في 11 دولة عربية وأجنبية، من بينها تونس وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن والإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية واليونان وجزيرة مالطا وبلغاريا وفرنسا.
واستخدم الموساد طرقا عديدة للاغتيال تنوعت ما بين القصف الجوي وإطلاق النار والتفجير والصعق بالكهرباء والاعتداء بالضرب والحقن بمادة كيميائية.
جميع عمليات الموساد نجحت في القضاء على الشخص المستهدف باستثناء عمليات قليلة فشلت أبرزها محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" خالد مشعل في العاصمة الأردنية عمان في 25 أيلول/ سبتمبر 1997.
حينها، حاولت وحدة من الموساد اغتيال مشعل في عمان؛ بحقنه بمادة كيميائية إلا أنه نجا من هذه المحاولة؛ بفضل شجاعة مرافقه الذي لاحق ضباط الموساد وتمكن من إيقافهم، حيث ضبطتهم السلطات الأردنية، وأجبرت الاحتلال على تقديم الترياق المضاد.
ومن أبرز جرائم الاغتيال التي نفذها الموساد في العقود الثلاثة الماضية، اغتيال الفلسطيني الدكتور إسماعيل راجي الفاروقي، وزوجته الدكتورة لمياء؛ وذلك بإطلاق النار عليهما في منزلهما بالولايات المتحدة الأمريكية في 27 أيار/ مايو 1986.
ونفذ الموساد في 9 حزيران/ يونيو 1986 جريمة اغتيال بحق خالد نزال وهو الرجل الأول في الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين؛ بإطلاق النار عليه في العاصمة اليونانية أثينا.
كما نفذت جريمة اغتيال بحق خليل الوزير –أبو جهاد- نائب القائد العام لحركة فتح بمنزله في تونس في 16نيسان/ أبريل 1988، ونفذت في 14 كانون ثاني/ يناير 1991 جريمة اغتيال بحق ثلاثة من قادة حركة فتح في تونس؛ بإطلاق النار عليهم، وهم: صلاح خلف، وهايل عبد الحميد، وفخري العمري.
وفي 16 كانون ثاني/ يناير 1992 اغتال عناصر الموساد عباس الموسوي، وهو أمين عام حزب الله؛ باستهداف سيارته في لبنان من خلال صواريخ أطلقتها عليه طائرة مروحية إسرائيلية.
واغتال الموساد في 8 حزيران/ يونيو 1992، عاطف بسيسو القيادي في حركة فتح ومسؤول الاستخبارات في منظمة التحرير الفلسطينية؛ وذلك بإطلاق النار عليه في العاصمة الفرنسية باريس.
وبعدها بثلاث سنوات نفذت عناصر الموساد وتحديدا في 26 تشرين أول/ أكتوبر 1995 جريمة اغتيال بحق فتحي الشقاقي الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين؛ بإطلاق النار عليه في جزيرة مالطا.
واستشهد في 11 تشرين ثانٍ/ نوفمبر 2004 ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية السابق وقائد حركة فتح في أحد المشافي الفرنسية؛ متأثرًا بالسم الذي حقنه به الموساد في وقت سابق، وفق اتهامات فلسطينية.
وشهدت العاصمة السورية دمشق في 26 أيلول/ سبتمبر 2004 جريمة اغتيال عز الدين شيخ خليل القيادي في "كتائب القسام" الذراع العسكري لحركة "حماس"؛ بتفجير سيارته.
وفي 12 شباط / فبراير 2008 اغتال الاحتلال عماد مغنية القيادي في حزب الله؛ في تفجير سيارته في العاصمة السورية دمشق، في حين اغتال في 19 كانون ثانٍ/ يناير 2010 القيادي البارز في "كتائب القسام" محمود المبحوح؛ جراء صعقه وخنقه في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وبعد ست سنوات شهدت دولة بلغاريا، وتحديدا في 26 شباط / فبراير 2016 جريمة اغتيال عمر النايف الناشط في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؛ بالاعتداء عليه بآلة حادة في مقر السفارة الفلسطينية.
وفي ذات العام، وتحديدا في 15 كانون أول/ ديسمبر 2016 اغتالت عناصر الموساد مهندس الطيران التونسي محمد الزواري القيادي في "كتائب القسام"؛ بإطلاق النار عليه في مدينة صفاقس التونسية.
أما الحدث الذي شهدته مدينة غزة مساء أول أمس، وهو استشهاد القائد القسامي الأسير المحرر المبعد إلى غزة مازن فقها، بإطلاق النار عليه، حيث تشير كافة الدلائل إلى تورط الموساد في جريمة اغتياله.
مسألة جديدة
ويعلق المحلل السياسي مصطفى الصواف على اتباع الاحتلال سياسة الاغتيالات بحق قادة المقاومة بالقول: "الاحتلال ضعيف وجبان، ولجوؤه لذلك ناتج عن ضعف لعدم الوصول بطرق مختلفة للمقاومة الفلسطينية وقادتها، وتصفية الحسابات معهم".
وأضاف الصواف في حديثه لـ"فلسطين": "المقاومة الفلسطينية تدرك بأن الاحتلال قد يلجأ إلى هذا الأسلوب بشكل أو بآخر؛ بأن يمارس الأسلوب الذي يستخدمه الموساد في عمليات الاغتيال خارج غزة، أما داخلها، هذه مسألة جديدة في الحسابات".
ولفت النظر إلى أن "المقاومة توعدت بالرد بنفس الطريقة والأداء الذي نفذت به أيدي الموساد الجبانة"، قائلاً: "أعتقد أن الاحتلال سيجد من المقاومة الشيء الذي يشفي غليل الفلسطينيين ويرد كيد العدو".
وأشار الصواف إلى أن ما يمكن استنتاجه من وراء العودة لسياسة الاغتيالات وبطريقة جديدة، هو أن الاحتلال قد بدأ بفتح صفحة جديدة في المواجهة مع المقاومة من خلال التصفية في عمليات اغتيال دقيقة وخطيرة.
وأضاف: "لذلك على الاحتلال أن يتحمل النتائج المترتبة على هذه الجريمة، والجميع ينتظر تنفيذ وتطبيق ما وعدت به كتائب القسام في بيانها".
تصفية المقاومة
من ناحيته، أوضح المحلل السياسي إبراهيم المدهون، أن الاحتلال يلجأ لارتكاب جرائم الاغتيال غير المعلنة بحق قادة المقاومة، لاقتناص وتصفية المقاومين خصوصا الناشطين الذين يعتبرهم خطرا عليه، كما أنه يحاول تفريغ الساحة الفلسطينية من القادة والمؤثرين البارزين مثل مازن فقها.
ولفت إلى أن سياسة الاغتيالات هي ديدن الاحتلال قبل قيام دولته عام 1948، ضد الفلسطينيين العزل على أيدي عصاباته، واستمرت بعد ذلك ضد الثوار الفلسطينيين وقادة فتح وحماس وفصائل المقاومة الأخرى، قائلا: "الاحتلال يعتقد أن الاغتيالات طريقة مهمة في إضعاف الحالة الثورية الفلسطينية".
وتابع المدهون: "الاحتلال يدرك أنه لا يوجد مانع أو رادع له في استخدام هذه الأساليب، خاصة أنه يدرك ردات الفعل القوية بعد عمليات الاغتيال المعلنة، لذلك غير أسلوبه ولكنه لم يغير الهدف والجريمة".
وأوضح أن الاحتلال رغم تعدد الأساليب لديه في قتل الضحية، إلا أن الأمر المهم لديه هو التصفية وألا يظهر في الصورة وأن يترك الجريمة دون أدلة على وجوده؛ لكن الاحتلال أضحى مكشوفا وأصبحت جرائمه معروفة.
وأشار المدهون إلى أن الاحتلال يلجأ لذلك لأهداف أخرى تتمثل في هروبه من الملاحقة الدولية جراء تلك الجرائم، وعدم رغبته في إثارة حفيظة المجتمع الدولي والرأي العام، قائلا: "لكن الاحتلال يلجأ للقتل المباشر والمعلن حينما يعجز عن اتباع أساليبه الخفية".
وتابع: "الأسلوب المستخدم في قتل الشهيد مازن فقها، استخدمه الاحتلال سابقا خارج فلسطين، وأرى أن ما أجبر الاحتلال استخدامه ضد فقها، أنه لا يستطيع القصف والاغتيال في وضح النهار وبصورة فجة، وهذا دليل على تراجع قوة ونفوذ وردع الاحتلال، الذي أصبح يخشى ويحسب الكثير من الحسابات قبل ارتكاب جرائمه".