نقول مجازا إن وباء كورونا لا يفرق بين غني وفقير وسائل ومسؤول، ولكن الفرق الشاسع يظهر عندما يفرض الحجر المنزلي على الجميع، قلة قليلة يمكنها أن تتحمل إغلاقا لسنوات، ولكن الأغلبية في شعبنا لا تستطيع الصمود لثلاثة أشهر، ومنهم من لا يتحمل نصف هذه المدة، ومنهم من لا يستطيع تحمل أيام معدودات وخاصة أولئك الذين يعتاشون من رزقهم اليومي، إن عمل أكل وإن التزم الحجر جاع.
الفقر في فلسطين لا يرتبط بالاجتهاد الشخصي والهمة العالية إلا بنسبة ضئيلة جدا، فالأغنياء ليسوا أذكى الناس وأنشطهم، والفقراء ليسوا أغبياء أو كسالى، فهناك أغنياء في غزة والضفة أصبحوا من أفقر الناس رغم قدراتهم الهائلة على تدبير أمورهم بسبب الظلم والاحتلال والانتماءات السياسية، وهناك أغبياء طفيليون أصبحوا من أغنى الناس وذلك لارتباطهم بأصحاب القرار والسلطة وجهات أخرى ففتحت لهم الأبواب بطرق غير شرعية، فسيطروا على الوكالات والشركات والوظائف العليا واحتكروها لأنفسهم وللمقربين منهم، والسبب الوحيد هو غياب العدالة والنزاهة والشفافية.
دول العالم المتقدمة اقتصاديا تعافت من صدمة الوباء "وليس من الوباء"، وكما يقول السيئون في أمثالهم "راحت السكرة وجاءت الفكرة"، فانتبهوا الى ان خطر الانكماش الاقتصادي يهددهم اكثر مما يهددهم وباء كورونا، فبدأ الحديث يدور عن ضرورة الموازنة بين الاجراءات الوقائية للوباء وإنقاذ عجلة الاقتصاد، ولذلك أنفقت المليارات من اجل العودة التدريجية الى الحياة الطبيعية بما تسمح به الظروف.
نحن في فلسطين لا يوجد عندنا اقتصاد حتى نخشى على توقف عجلته، واعتمادنا الاكبر على الرواتب التي تؤمنها الدول المانحة وما يدفعه المواطنون من ضرائب فتبقي غالبيته بمحاذاة خط الفقر، والرواتب لا تكفي لإبقاء المواطنين كافة في بيوتهم، ولذلك ستكون امامنا تحديات كبيرة ان استمرت الظروف على ما هي عليه الآن لأشهر عدة، وقد نعاني من مشاكل اجتماعية خطيرة لأننا لم نحضر انفسنا لمثل هذه الظروف. في السابق صمدنا في ظروف صعبة لأن الدول العربية دعمتنا لسنوات طويلة، ولكن تلك الدول الآن مشغولة بنفسها وبالكاد تستطيع تدبر اوضاعها الداخلية.
نسأل الله ان يخفف عنا مضاعفات وباء كورونا، ولكن لا بد من اعادة النظر في جميع مساراتنا حتى نكون اقوى على مجابهة التحديات، ومن ذلك لا بد من تأسيس اقتصاد فلسطيني حقيقي، ولا بد من تحقيق العدالة لكل ابناء الشعب وان تكون الفرص متاحة للجميع؛ لا فرق بين أصفر وأخضر أو أسود وأحمر. لا بد من اعادة النظر في طبيعة المشاريع التي تهدر فيها مئات الملايين وعشرات المليارات، لا بد من تغييرات جذرية تطال العقلية التي تدير شؤون الشعب الفلسطيني.