فلسطين أون لاين

أقفال موصدة في موسم الانعتاق

يهلُّ عليك فصل التمرد على حين غرة، تثور رياحه في غفلة من السادة المترعين بنشوة القمع والظفر، وتهطل أمطاره في غير موسمها.. تلاقى أرضاً خصبة، رطبة، مهيأة لاحتضان أجنَّة بذورها.. تتسلل الأفكار الثائرة إلى قلبك مثل زائر الليل، تنتشر مثل رائحة القهوة، تنشر هيجانها في جميع خلايا جسدك الـهش، المنهك حتى النفس الأخير..

تتحسس موضع ندوب قديمة ما تزال تؤلمك برغم السنون التي مضت عليها وفشلت في محوها.. تسرد على وعيك ذكريات استعباد وحكايات ظلم تأبى عليك أن تبقى صامتاً مسالماً نائياً مثل نجمة المساء، برغم القيود البغيضة التي تقضم معصميك.. تدميهما.. ولا تتورع أن تفتَّ عظمهما بفجور أرعن ووقاحة فجة.

تضطرم النار خلف جدرانك ويعلو أوارها برغم قلة الوقود، وشراسة البرد الذي يطبق فكيه على أعقاب شجاعتك. تمضي إلى حصونك التي كنت تحرص على الاحتماء خلفها.. تهدمها

وتسارع إلى جِذاء كنت تظنها تضيء ليلك المعتم وتدفئ أيامك الباردة.. تطفئها

وتلجأ إلى قلمك العصي مثلك المشاكس أكثر منك..

يُشرِّع أبواب قلبه إليك.. يحتويك، يضمك، يعض على جراحك، يوقف نزفك، يسخر من سذاجتك.. تنضم إلى ثورته ويتآلف مع تمرُّدك.. أليس هو المريض بك، والمحموم بأحلامك، والمحزون بهمومك؟ أليس هو شيطان غوايتك ورأس فتنتك ومحرضك للخروج من منهاج الحياد والمحايدين والصمت والصامتين من يسيرون بملاصقة الجدار يرومون الستر؟ ألم تكن تظنه لأوقات قريبة خلت وسيلة الكلمات والثورة، فما بالك الآن تراه الكلمات نفسها والثورة؟؟

****

هل كل الدماء دماء؟ هل جميع الدماء تشبه بعضها؟ هل كلها يحمل ذات اللون واللزوجة؟؟ هل دماء عبيد الحقول والبيوت مثل دماء السادة والملوك وأصحاب الإمارة؟؟ حتى وإن كانت القطرة منها تشبه القطرة.. هناك أشياء أخرى تستعصي على الفهم.. فاللون ليس هو ما يجمع الأشياء ويجعلها تتشابه.. ثمة أشياء أعمق وأعمق، هل من يَقْتُل بقسوة دون أن يرفَّ له جفن مثل من يموت ألف مرة قبل أن يهوي بالعصا على ظهر منافق تسربل بالطهارة؟

يا هؤلاء.. لا يخدعنكم من يسنُّون القوانين، وينادون بالمساواة، ويرفعون الرايات والغايات.. فما إن يتمكن سادتها منك حتى ينقلبون عليك، ويسلِّطون كلابهم تنهشك، ويجلدون ظهرك، ويسرقون مالك، ويسحلونك ويسجنونك، ويغتصبون نساءك، ويهدمون بيتك، ويستحلُّون حرماتك، ويشردون أطفالك..

فمن يمنعهم يا تُرى؟؟ أليسوا هم أصحاب كل شيء ها هنا وأنت الدخيل؟! أليسوا هم الأولياء المُختارون وأنتم من عليه الطاعة والخنوع باستسلام تامّ؟؟

فلتمضي أنت بغيظك القديم، وليذهبوا هم بالبلاد وبكل الخيرات والغنائم.

****

في مكان نائي على الكوكب الأزرق البائس تقع بلاد العجائب والغرائب، أَحسبها تُسمى بلاد العرب!

قد تكونوا سمعتم بها.. وربما فاتكم خبرها. من الشرق يغفو على أعتابها خليج، ومن الغرب يغازل حسنها محيط..

حسناء هيفاء فصيحة.. تضم في أحضانها أحلى الأنهار وأجمل البحار، وأوسع السهول وسلاسل الجبال، وبيد شاسعة وعظيم قفار.. وفي باطنها يغفو تاريخ عزة مشرق، علته طبقات وطبقات من الأتربة وأحسنه حظاً لا يعدو عن كونه مزار.. هل نسيته؟ أنسيت أن التاريخ يعيد نفسه؟

أُنظرْ حولك.. يا إلهي.. ها هنا حروب تلتهم أبناءها بلا وجل.. وسجون تقضم أعمارهم بلا خجل. كم هي غريبة ومتناقضة!

أتعلمون أن أهلها ينطقون بالعربية.. وأن خيرات بلادهم بلاد العجائب تعمُّ الأرجاء؟ في باطنها ذهب أسود وأبيض وأصفر، وعلى سطحها ماء، وفوق صخورها تربة خصبة ونماء.. وفوق تربتها يسير جوعى ومساكين وفقراء، ومحاصرين وسجناء.. أما في القصور وخلف الأسوار الشاهقة.. فللحال حكاية أخرى.. لا تشبه الحكاية.

أوامر تُلقى جزافاً: تمنح هذا الحياة، وتسلب ذاك البقاء.. تُعلي شأن هذا، وتخفض ذاك.

وما بين هذا وذاك يضيع كثيرون، ما بين جهل ومرض وفقر!