فلسطين أون لاين

الوفاء والغدر

...
بقلم / عماد صيام

الوفاء خُلقٌ جميل من مكارم الأخلاق، حتى إنَّ اسمه تطرب له الأذن وتنشرح له صدور الأصفياء من الناس، ومن معاني الوفاء حفظ المعروف لأهله، والوفاء بالعهود والوعود والعقود والمواثيق، وهو خلق من أخلاق الله (تعالى) الذي ليس كمثله شيء {وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ}، وهو خُلق الأنبياء {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى}، وسيرة رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) تحمل في رحابها العديد من مواقف الوفاء حتى مع غير المسلمين، فقد حفظ للمُطعم بن عدي جميله –وهو كافر- عندما أدخله في جواره حماية له من بطش كفار قريش عند عودته من الطائف، فقال في أسرى بدر: "لو كان مُطعم بن عدي حيًا، ثم استشفعني في هؤلاء النتنى لشفّعته فيهم"، وحفظ للسيدة خديجة معروفها ومواساتها له بالحب والمال والنفس فكان يهدي بالهدايا والعطايا لصاحباتها بعد موتها، وعندما دخل مكة فاتحاً كانت بيوت مكة تتسابق لاستقباله فيها لكنه أمر بإقامة خيمة بجوار قبرها ونصب لواء النصر عندها لُيعلن للعالم أجمع أنَّ خديجة شريكته في هذا النصر المؤزر والفتح المُبين.

وأولى الناس بالوفاء هم الوالدين الذين تعبا وسهرا وأنفقا العمر والمال في تنشئة وتربية وتعليم أولادهم وحرما أنفسهما من لذات كثيرة في سبيل ذلك، وبعد كل هذا المعروف نسمع عن عقوق وجحود بدل البر والإحسان، قال الله (تعالى):{ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}. وكذلك الوفاء لكل من علّمك الخير في أي مكان، ولكل من صنع لك معروفاً مهما كان، قال الإمام الشافعي: " الحرُّ من راعى وِدَاد لحظة، وانتمى لمن أفاده لفظة".

ومن الوفاء الالتزام بما قطعته على نفسك من وعد أو عهد أو عقد أو دَيْن، قال الله (تعالى): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}، وقال: { وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً}، وأول الوفاء بالعهد مع الله (تعالى) { أَلَمْ أَعْهَد إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَم أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِين}، ثم الوفاء بالعهود مع الناس من عقود مبرمة أو شيكات أو سندات واستحقاقات مالية أو معنوية، لأنَّ عكس ذلك هو الغدر الذي هو من طباع أخس البشر وهم المنافقين قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): "أربع من كن فيه كان منافقاً ومن كانت خصلة منهنَّ فيه كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: من إذا حدُّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر".