حتى هذه اللحظة يقف العالم عاجزًا عن دفع وباء كورونا، ما زال في مرحلة الصدمة ويوشك أن يخرج منها، صدمة الوباء مثل الوباء ذاته لم تستثنِ أحدًا، فالعالِم والجاهل سواءٌ بغض النظر عن اختلاف الصورة التي تنطبع في الأذهان.
أنا شخصيًّا رأيت أننا نعيش في عالم مجنون، عالم يبيح ويمارس عمليات القتل والإبادة الجماعية المبرمجة ويعد لها الأسلحة اللازمة من الرصاصة حتى قنابل الفناء الذرية، ولكنه يرتجف ويتقزم أمام القتل العشوائي الخارج عن سيطرة البشر كما يفعل فايروس كورونا.
عالم مجنون الذي يصل إلى كواكب أخرى ويكشف بعض أسرارها ثم يكتشف أنه جاهل بأسرار الأرض التي يعيش فوقها، ينفقون المليارات لاكتشاف ما الذي سيحدث بعد مئة عام وهم لا يدركون ما قد يفعله حدث طارئ ومتوقع ومتكرر وإن كان أشد قسوة مما سبقه.
عندما شلت حركة هذا العالم المجنون لعدة أسابيع أظهرت الأقمار الصناعية أن نسبة التلوث انخفضت قرابة 25%، مياه القنوات في مدينة فينيسا الإيطالية أصبحت أكثر نقاء وقد شوهدت الأسماك فيها لأول مرة، الهواء أقل تلوثًا في كثير من بقاع الأرض التي ستظهر أكثر جمالًا رغم الحزن والرعب الذي خلفه الوباء.
من الأمثلة الأخرى على جنون هذا العالم هو تحويل الرياضة إلى حدث عالمي ومصدر لزيادة الدخل وتحسين الاقتصاد، فتنفق المليارات في بناء المنشآت وغيرها من أجل كرة القدم أو الألعاب الأولمبية مقابل تحقيق أرباح ولكن في الحقيقة العالم ككل يخسر من ثرواته الطبيعية حتى تنتقل ثروات ورقية لا قيمة حقيقية لها من جهة إلى أخرى، فالمواد المستهلكة في البناء والإنشاء والتنقلات الجوية والبرية والبحرية كلها خسارة حقيقية للثروات الطبيعية المحدودة دون مردود مفيد للبشرية، وهذا بسبب الضلال الذي يعيشه كوكب الأرض، فالله عز وجل لم يخلق الإنسان للعب واللهو وإهدار الثروات في سبيل تلك الأهداف التافهة، لا بد للشعوب الإسلامية على الأقل أن تتوقف عن الانجرار خلف المجتمعات الغربية الضالة، ولا بد لها أن تستغل ثرواتها وطاقاتها البشرية من أجل نهضة حقيقية تنقذ نفسها من التخلف وتنقذ باقي المجتمعات من الضلال الذي تعيشه وخاصة بعد أن اكتشف العالم أنه قد يحتاج في أي لحظة إلى مشافٍ تتوفر فيها الأسرة وأجهزة التنفس والعناية المكثفة بدلًا من تبديد الثروة في بناء الملاعب والأبراج وناطحات السحاب.