فلسطين أون لاين

المسؤولية الجزائية لحامل المرض المعدي والوبائي كورونا

انتهجت بعض التشريعات القانونية الخاصة مبادئ وقائية للتعامل مع الأمراض المعدية والأوبئة التي تنتشر من حينٍ إلى آخر، وتفرض التزامات ميدانية يجب على حامل المرض ألا يبرحها، وأن يعمل بموجبها، وإلا كان عُرضةً للمساءلة القانونية، وكل ذلك يخضع لجسامة المرض القائم ومدى تسارع تفشيه، والتساؤل القائم: هل هناك مسؤولية جزائية (جنائية) لمن يحمل مرضًا معديًا أو وبائيًّا (كورونا نموذجًا)، ويتنقل به وهو يعلم خطورة مرضه على العامة؟

الإجابة عن التساؤل تتطلب التعريف بماهية المرض المعدي والوبائي، وما القانون الفلسطيني الناظم في الأزمات الطبية ويضع الحلول الوقائية لها، إذ جاء قانون الصحة العامة رقم (20) لسنة 2004م، في بدايتهِ معرفًا المرض المعدي بأنه: كل مرض قابل للانتقال إلى الآخرين بأي طريقة كانت، وكذلك عرف المرض الوبائي بأنه: المرض المعدي الذي يتفشى بشكل غير عادي ويهدد الصحة العامة.

وباستقراء ما يحدثه فيروس كورونا، بات من الواضح أنه مرض معدٍ ووبائي وأثره يتدرج وصولًا إلى وفاة مُصابه، لذلك أوجب القانون على وزارة الصحة أن تتعامل ميدانيًّا بصرامة لمواجهة أي مرض معدٍ ووبائي من شأنه إلحاق الضرر بمصابه والمجتمع عمومًا، فأجاز لها في سبيل ذلك المعاينة الصحية على المنافذ والحدود، وفرض الحجر الصحي على المصابين والمشتبه بإصابتهم، وكذلك أوجب على كل من يعلم بوجود شخص مصاب أو مشتبه بإصابته أن يبلغ الجهات المختصة.

وما من شك أن حامل الفيروس هو مصدر للعدوى، إن لم يلتزم بإجراءات الوقاية التي تفرضها عليه الوزارة، فيقع عليه الاختفاء عن أي تجمعٍ أو لقاءٍ أو مناسبةٍ يكثر فيها الناس، وكذلك يحظر عليه مخالطة الأفراد بأي شكل حتى التشافي والتعافي مما حل به، وعلى النقيض إن كسر هذا المصاب حاجز الوقاية وخالط الناس بقصد نقل العدوى إليهم وإصابتهم، أو كان يعلم أن مخالطته الناس ستجلب الضرر لهم، أو لم يبلغ عن إصابته أو امتنع عن أي اجراء طُلب لمنع تفشي العدوى؛ يكون ارتكب جرمًا يجب عقابه عليه.

وبالنظر إلى قانون الصحة العامة، نجد أنه نص صراحةً على أن مخالفة نصوصه جريمة معاقب عليها، كما جاء في نص المادة (81) أنه: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين، وبغرامة لا تزيد على ألفي دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يخالف أحكام هذا القانون", والمادة (82) شددت العقوبة حيث نصت على أنه: "تكون عقوبة الحبس وجوبية، إذا ترتب على المخالفة خسارة في الأرواح أو أضرار جسيمة في الأموال".

وكذلك المادة (195) من قانون العقوبات الفلسطيني رقم 74 لسنة 1936م التي نصت على أنه: "كل من أتى بوجه غير مشروع أو بطريق الإهمال فعلًا يحتمل أن يؤدي إلى تفشي أي مرض خطر وهو يعلم أو لديه ما يدعوه إلى الاعتقاد بأن فعله قد يؤدي إلى تفشي عدوى هذا المرض، يعد ارتكب جنحة".

وبالتوضيح، إن كل من يخالف أحكام الحجر الصحي الذي يمثل بوابة التعافي يكون قد ارتكب جريمةً شائنة، ويستوجب إنفاذ القانون بحقه، لا سيما أن أرواح الأفراد هي محل تقديسٍ وحماية، وأفرد المشرع لها حماية جنائية تصل إلى الإعدام، وذلك في حالة القتل العمد كمن يفتك بخصمه بما يحمل من مرض معدٍ ووبائي نتج عنه الوفاة.

ختامًا، فقد أُمرنا أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء كما أُمرنا أن نتوكل على الله وكأن الأسباب ليست بشيء، والمرء يعتزم ويتيقن أن البلوى تُرَدُّ بالدعاء، ويشرع في أخذ الأسباب لمجابهتها بالطرق والأساليب والتعليمات من أهل الاختصاص، وهذا يحتم علينا أن نكون جميعًا على قدرٍ من المسؤولية والحكمة.

كتب الله السلامة لنا من الجذام والأسقام.