فلسطين أون لاين

قصصٌ من غزَّة.. صورة طبيب تتحوّل إلى أيقونة تجسّد مأساة نازحي غزّة

...
غزة/ فلسطين أون لاين

لم يتوقّع البروفيسور، خميس الإسي، أن تنتشر صورته وهو يحمل بعض الأمتعة على ظهره أثناء نزوحه داخل مدينة غزّة على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ.

وتجسّد صورة البروفيسور "الإسي" مأساة الفلسطينيّين في قطاع غزّة، نتيجة الحرب الإسرائيليّة المستمرّة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل 2023، والنزوح المتكرّر بفعل العمليّات العسكريّة البرّيّة في مختلف المناطق.

وصورة البروفيسور "الإسي" ارتبطت بصورة لوحة "جمل المحامل"، الّتي أبدعها الفنّان الفلسطينيّ سليمان منصور عام 1973، وتصوّر شخصيّة مسنّ فلسطينيّ حافي القدمين، وبذراعين قويّتين ويرتدي ثيابًا رثّة، محمّلًا على ظهره "هموم الوطن"، حيث أصبحت هذه اللوحة "أيقونة فلسطينيّة" حتّى يومنا هذا.

في 8 يوليو/ تمّوز الجاري، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيليّ عن تنفيذ عمليّة برّيّة غرب مدينة غزّة، في حيّ تلّ الهوى ومنطقة الصناعة ومحيط مستشفى "أصدقاء المريض"، بما في ذلك مقرّ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين "الأونروا"، ممّا أدّى إلى نزوح آلاف الفلسطينيّين من مناطق سكنهم، قبل أن يتراجع جيش الاحتلال لشارع 8 على الأطراف الجنوبيّة للمدينة.

ويقول الطبيب الخمسينيّ عن معاناته مع النزوح لوكالة الأناضول: "عشت كغيري من أبناء قطاع غزّة معاناة النزوح المتكرّر، حيث نزحت 12 مرّة، وتكرّر ذلك في السابع من يوليو الجاري، حيث تنقّلت من حيّ تلّ الهوى إلى حيّ الدرج، ثمّ الزيتون، فالرمال، وعشت الرعب مرّات عديدة".

ويضيف: "مع بداية الحرب الإسرائيليّة، كنت أقطن حديثًا في حيّ تلّ الهوى بمدينة غزّة، واضطررت بعد تدمير الأبراج السكنيّة هناك إلى النزوح لمنزل العائلة الموجود في حيّ الدرج وسط المدينة".

وتابع: "في السابع من يوليو، تلقّيت اتّصالًا أثناء عملي في المستشفى من ابني يخبرني بضرورة مغادرة المنزل فورًا بناء على طلب من جيش الاحتلال، غادرت العمل على الفور وتوجّهت إلى المنزل، ونزحنا إلى تلّ الهوى ببعض الأمتعة وتحت نيران طائرات الكوّاد كابتر المسيرة".

ووصل الطبيب وعائلته إلى منزل شقيقته المحترق بفعل الغارات الإسرائيليّة في الساعة التاسعة مساء، ما إن جلسوا في المنزل حتّى فوجئوا بأحزمة ناريّة تضرب المنطقة من الطائرات والدبّابات الإسرائيليّة الّتي توغّلت في الحيّ فجرًا، فاضطرّوا للنزوح مرّة أخرى إلى حيّ النصر بمدينة غزّة.

ويصف الطبيب الفلسطينيّ، ما حدث في تلك اللحظة بـ"حلقة مرعبة من مسلسل الجرائم".

وقال: "أثناء النزوح، قرّر أبنائي توثيق عمليّة النزوح من خلال التصوير، والتقطوا صورًا متنوّعة لخروجنا من المنزل والنزوح برفقة الآلاف".

وأضاف: "نشر أحد هذه الصور ليظهر للعالم ضرورة وقف عمليّة الإخلاء القسريّ للسكّان المدنيّين، وأنّ ما يحدث لبروفيسور في الطبّ وزميل لجامعات عالميّة يحدث لشعب بأكمله".

وأشار إلى إرفاقه صورة الأيقونة الفلسطينيّة "جمل المحامل" إلى جانب صورته الشخصيّة لتشابه الحالة.

وفوجئ الطبيب بأنّ الصورة أثناء نزوحه انتشرت بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعيّ وهو لم يكن يخطّط لذلك.

ومنذ بداية حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزّة، يواجه الفلسطينيّون معاناة النزوح، حيث يأمر الجيش الإسرائيليّ سكّان المناطق والأحياء السكنيّة بإخلائها استعدادًا لقصفها وتدميرها.

ويضطرّ الفلسطينيّون خلال نزوحهم إلى اللجوء إلى بيوت أقربائهم ومعارفهم، والبعض يقيم خيامًا في الشوارع والمدارس، في ظلّ ظروف إنسانيّة صعبة حيث لا تتوفّر المياه ولا الأطعمة الكافية، وتنتشر الأمراض.

ولأكثر من مرّة، حذّرت مؤسّسات صحّيّة محلّيّة ودوليّة من انتشار الأمراض والأوبئة في صفوف النازحين نتيجة التكدّس في مراكز الإيواء وانعدام سبل النظافة الشخصيّة والعلاجات اللازمة.

وبحسب المكتب الإعلاميّ الحكوميّ في قطاع غزّة، فإنّ عدد النازحين داخل القطاع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأوّل الجاري، بلغ مليوني شخص.

ويوجّه الطبيب الفلسطينيّ رسالة إلى المجتمع الدوليّ وجامعة الدول العربيّة وزعماء العالم بضرورة وقف الحرب الإسرائيليّة فورًا، فأغلب الضحايا من الأطفال والنساء.

4dc12ba7-a6a8-4135-959f-0570b1ae48ce.jpeg
 

ويتمنّى الإسي أن "تتوقّف حرب الإبادة الجماعيّة، وأن يعيش سكّان فلسطين والمنطقة في أمن وأمان وسلّم وسلام".

ويعرف الطبيب الخمسينيّ عن نفسه بالقول: "أنا استشاري تأهيل الأعصاب وطبّ الألم، وبروفيسور في كلّيّة الطبّ بالجامعة الإسلاميّة، أدرس علم الأعصاب وطبّ الألم والرعاية التلطيفيّة وأساليب البحث العلميّ المتقدّمة، وأعمل في قطاع غزّة منذ عام 1998".

وتخرج الإسي من جامعة الشرق الأقصى وتخصّص في مجال تأهيل الأعصاب، وحصل على البورد الفلسطينيّ في طبّ التأهيل، ودبلوم متقدّم في علاج الألم والرعاية التلطيفيّة.

وفي عام 2018، حصل على درجة الماجستير في الطبّ المسند بالبراهين من جامعة أكسفورد، حيث منح الزمالة الفخريّة لجامعة أكسفورد.

ورغم الفرص العديدة الّتي أتيحت له للبقاء والعمل في بريطانيا، إلّا أنّه اختار العودة إلى غزّة، حيث أوضح قائلًا: "اخترت العودة لأكون بجانب والدتي بعد وفاة والدي، ولأساعد في تربية أبنائي وتعليمهم، والأهمّ من ذلك، رغبتي في نقل خبراتي لزملائي الأطبّاء وتقديم أفضل خدمة في مستشفيات قطاع غزّة".

ورغم تلقّيه عروضًا عديدة لمغادرة مدينة غزّة إلى المناطق الجنوبيّة أو السفر إلى الخارج والعمل مع مؤسّسات دوليّة، أصرّ الطبيب الفلسطينيّ على البقاء.

ويقول: "آثرت البقاء لمساعدة المرضى، خاصّة في مجال طبّ الأعصاب والغضاريف والجلطات، رغم كلّ الصعوبات والتحدّيات، أعتقد أنّ قراري كان صائبًا".

ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2023، تشنّ (إسرائيل) حرب إبادة جماعية على غزّة بدعم أمريكيّ، خلّفت نحو 128 ألف قتيل وجريح فلسطينيّين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال.

وتواصل تلّ أبيب الحرب متجاهلة قراري مجلس الأمن الدوليّ بوقفها فورًا، وأوامر محكمة العدل الدوليّة باتّخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعيّة وبتحسين الوضع الإنسانيّ الكارثيّ بغزّة.

المصدر / وكالة الأناضول