تتضاعف المأساة لسكان الخيام على شاطئ بحر مواصي خان يونس جنوب قطاع غزة، فهنا لا يأتي الخطر فقط من السماء مع هطول الأمطار، بل من تقدّم أمواج البحر بين "مدٍّ وجزر" نحو الخيام، فقد ابتلعت خلال المنخفضات السابقة عشراتٍ منها. ومع اقتراب المنخفض الجوي الرابع لم يعد الأمر مجرد حالة طقس عابرة، بل أصبح عبئًا يوميًا وكارثة حقيقية تهدد حياة النازحين.
وتزداد سرعة الهواء على شاطئ البحر، وتهب "زوبعات" هواء بين فينة وأخرى توشك على اقتلاع الخيام من أوتادها من شدتها، وتزداد البرودة في فترات الليل والفجر، فلا يستطيع الأهالي الخروج من داخل أغطية يلتحفونها نتيجة البرد القارس.
أصبحت خيمة علا أبو ناصر على حافة البحر، وأولى الخيام المواجهة للأمواج بحيث لا تزيد المسافة الفاصلة عن عشرة أمتار بينما تصبح في مواجهة المياه لحظة ارتفاع منسوب الأمواج ما يهدد حياة أطفالها وخيمتها.
الغرق الرابع
ولم تسلم خيمتها من الغرق بمياه الأمطار والبحر معا خلال المنخفضات الجوية الثلاثة، فالخيمة المصنوعة من القماش والتي منعت ظروف العائلة المادية تركيب شادر حماية فوق الخيمة لم تصمد أمام زخات أمطار كثيفة وأمواج بحر غمرت الخيمة.
كانت أبو ناصر تقف أمام خيمتها وتحاول الحصول على دفء أول أمس هي وأطفالها في جو مشمس افتقده أهالي القطاع منذ أسابيع نتيجة تعاقب المنخفضات الجوية، وتعاقب المعاناة خلالها، بينما يظهر ساتر ترابي أنشأه زوجها وأمامه قناة بعمق متر في محاولة لتأخير تقدم الأمواج.

تبدو الخيمة بحالة مأساوية بعد تمزق أجزاء منها، وتقول أبو ناصر لـ "فلسطين أون لاين": "مرت أيام قاسية خلال المنخفضات الأخيرة، غرقنا من مياه المطر والبحر وتركنا الخيمة وأرسلت أطفالي عند جدهم، لأن لدي طفل مريض قلب وخشيت على حياتها. حياتنا على الشاطئ مهددة لأن خيمتي قريبة من الأمواج التي غمرت الخيمة أيضا".
وحتى لا تتكرر المأساة خلال المنخفض الرابع الذي سيحل السبت، استعارت العائلة شادرا ووضعته فوق الخيمة، وهو ما يعطي أبو ناصر شيئا من الارتياح، وأضافت بنبرة ممزوجة بين الخوف والاطمئنان: "لا نعرف ماذا سيحصل معنا؟. وكلنا أمرنا إلى الله، حتى لو وضعنا الشادر للحماية هناك مخاطر أخرى، فأحيانا يصبح البحر مخيفا، وصوت الأمواج وحدها مساء كل يوم مرعبة لنا وللأطفال".
ولا تستطيع العائلة مغادرة المكان، وتجبرها الظروف على البقاء على حافة الخطر لعدم وجود أماكن في المواصي ووقوع منزلهم في منطقة خطرة حتى الآن شرق خان يونس.
بقربها كان أمير الزبن ينشئ ساترا ترابيا أمام خيمته، خوفا من تقدم الامواج أكثر تجاه الخيمة، كما يفعل غالبية سكان الشاطئ الذين انهمكوا في إنشاء السواتر، وتظهر آثار تقدم للأمواج ليلا وتراجعها نهارا.

وفيما تبدو علامات الإجهاد واضحة على ملامحه، يقول لـ "فلسطين أون لاين": "الشتاء هنا صعب ويجب أن نعمل طوال الوقت لمواجهة مخاطر وصعوبات كبيرة".
على غير بعيد كان الحاج فريد قشطة يراقب هو وأبناؤه أوضاع خيمته، ويحاول تدعيمها وشد أوتادها والتأكد من عدم وجود ثقوب في الشادر الذي يعلو الخيمة، وبمجرد أن سمع عن وصول منخفض رابع بدأت حالة من القلق تسيطر عليه وعلى باقي سكان الشاطئ وهم يأملون أن تمر أيام المنخفض على خير، ولا يحدث تقدم للأمواج أو قدوم زوبعات هواء قوية.
ويحكي قشطة وهو يتكئ على عكازه لـ "فلسطين أون لاين": "الحياة على الشاطئ صعبة، وخلال المنخفضات السابقة غرقت العديد من الخيام نتيجة تقدم الأمواج، ورغم أني وضعت خيمتي بمنطقة بعيدة عن البحر خلال فصل الصيف، إلا أنني تفاجأت بمستوى تقدم الأمواج خلال الشتاء بهذا الشكل وأصبحت قريبا من حافة الشاطئ".
مصادر خطر مختلفة
وليس المطر والبرد هي الأشياء الوحيدة التي تؤرق سكان شاطئ البحر، إذ يشتكي سكان الخيام هنا من تهميش المؤسسات الخيرية لهم، حيث أن الخيام على البحر تصبح مهترئة خلال فترة أقل مقارنة بوجودها بعيدا عن الشاطئ، ورغم ذلك لم تسلم المؤسسات الإغاثية خيام لهؤلاء السكان.
ورغم عدم وصول مياه البحر لخيمة قشطة، إلا أنه لم يسلم من الغرق من الأعلى، يقول وهو يلتفت نحو خيمته وتظهر حالة اهتراء عليها: "أنشأناها منذ عام ونصف العام، وحتى الآن لم نستلم خيمة أخرى".
وأمام الحالة الصعبة للحياة على شاطئ البحر، يخلق النازحون ه لأنفسهم مساحات للتنفس خلال الأجواء المشمسة كما كان عليه الحال صباح أول من أمس، حيث كان بعض الصيادين يعبرون البحر بواسطة حسكة مجداف لرمي الشباك لصيد الأسماك.
كانت أم أنس الشندي تتمشى مع جارتها على شاطئ البحر، مدركة أنها ستنشغل بمعاناتها مع المنخفض الجوي، تضع الشندي يدها على قلبها وتخشى أن تتكرر مأساتها بتدفق المياه لداخل الخيمة.
ونزحت العائلة من مدينة غزة خلال العملية العسكرية الأخيرة لجيش الاحتلال بالمدينة، ورغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار منذ نحو شهرين ونصف، إلا أن العائلة لا تستطيع العودة بسبب عدم وجود أماكن ونتيجة صعوبة أوضاعهم المعيشية، وبات خيار البقاء على شاطئ البحر خيار اضطراري.
تقول وهي تسير ببطء لـ "فلسطين أون لاين": "هناك مصادر مختلفة للخطر على الشاطئ، فأنت تعيش بمعاناة كبيرة طوال الوقت، الرمال تلتصق بجسدك، وهناك حشرات وذباب على الشاطئ يؤرق حياتك، ورطوبة وصوت بحر مخيف في الليل".
وبينما يحاول صيادان إلقاء الغزل من حسكة المجداف على عمق نحو 300 متر داخل البحر، كان خطر آخر يقف على مسافة أبعد داخل المياه، يصوب نيران رشاشاته تجاه الصيادين، وهذه القوارب الإسرائيلية تشكل خطرا دائما على الصيادين والنازحين على الشاطئ نتيجة إطلاق الرصاص المستمر عليهم.

