إن قضية نيل ذوي الإعاقة حقوقهم واحدة من القضايا العالمية، لكنّ هناك تفاوتًا في نسبة الحقوق وكيفيتها ونوعها، ومستوى الخدمات المقدّمة لهذه الفئة، ولا بد من الإشارة إلى أن عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع الفلسطيني في تزايد وارتفاع متواصلين، ويعود ذلك إلى الإصابات المباشرة وغير المباشرة الناتجة عن ممارسات الاحتلال وجنوده، ولعلّ ما جرى في غزة من عنف احتلالي أخيرًا قد أضاف عدة آلاف إلى هذه القائمة، منذ عام 2000م حتى الآن.
ومن أهم القضايا وصول الطلبة ذوي الإعاقة للتعليم الجامعي حقًّا كفلته الاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة، وقانون حقوق المعوقين رقم 4 لعام 1999م.
فعلى مستوى الاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة نجدها تغطي كثيرًا من جوانب التعليم في مراحل مختلفة من مراحل الحياة، وتتمثل أولويتها في تشجيع الأطفال ذوي الإعاقة على الالتحاق بالمدرسة، وتؤكد الاتفاقية أن أفضل طريقة لفعل ذلك هي التركيز على المصالح العليا للطفل، وجاء في نص الاتفاقية الذي أكد حق الاشخاص ذوي الإعاقة في التعليم ما يلي:
تسلم الدول الأطراف بحق الأشخاص ذوي الإعاقة في التعليم، ولإعمال هذا الحق دون تمييز وعلى أساس تكافؤ الفرص، تكفل الدول الأطراف نظامًا تعليميًّا جامعًا على جميع المستويات، وتعلمًا مدى الحياة، موجهين نحو التنمية الكاملة للطاقات الإنسانية الكامنة والشعور بالكرامة وتقدير الذات، وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية والتنوع البشري، وتنمية شخصية الأشخاص ذوي الإعاقة ومواهبهم وإبداعهم، وتحرص الدول الأطراف في إعمالها هذا الحق على كفالة عدم استبعاد الأشخاص ذوي الإعاقة من النظام التعليمي العام على أساس الإعاقة.
وتؤكد الاتفاقية ضرورة تمكين الدول الأطراف الأشخاص ذوي الإعاقة من تعلم مهارات حياتية ومهارات في مجال التنمية الاجتماعية لتيسير مشاركتهم الكاملة في التعليم على قدم المساواة مع آخرين بوصفهم أعضاء في المجتمع، وتكفل الدول الأطراف إمكانية حصول الأشخاص ذوي الإعاقة على التعليم العالي العام والتدريب المهني وتعليم الكبار والتعليم مدى الحياة دون تمييز وعلى قدم المساواة مع آخرين، وتحقيقًا لهذه الغاية تكفل الدول الأطراف توفير الترتيبات التيسيرية المعقولة للأشخاص ذوي الإعاقة.
تمثل الجامعات الفلسطينية نقطة الارتكاز في حياة الأشخاص ذوي الإعاقة الجامعيين؛ فهي التي تعمل على بناء الشخصية وفتح آفاق جديدة في حياة الطلبة، ولا سيما الانخراط داخل العملية التعليمية والانفتاح على المجتمع الأوسع، ما يعزز مكانتهم الاجتماعية داخل المجتمع، لكن هناك العديد من العقبات التي تواجه الطلبة ذوي الإعاقة الجامعيين ليكونوا متساوين بغيرهم من الطلبة، وليكملوا حياتهم العلمية التي طالما طمحوا لها هم وذووهم.
أدت المفاهيم الاجتماعية دورًا محوريًّا في عملية التقبل داخل البيئة الجامعية، إضافة إلى غياب مفهوم الإعاقة لدى الطلبة الجامعيين والمفاهيم المرتبطة بالجانب الاجتماعي أكثر من الجانب الحقوقي.
كما أدت البيئة الجامعية دورًا في خلق العقبات المادية والاجتماعية والنفسية للطلبة ذوي الإعاقة الجامعيين.
فالبيئة الجامعية لا تستجيب للاختلاف والتعددية، من هنا يجب على الجامعة أن توفر فرصًا متكافئة للتفاعل في الحياة الأكاديمية لجميع الطلبة، بغض النظر عن الإعاقة، وتقديم الدعم الاجتماعي والنفسي والأكاديمي، وتعزيز مهارات الثقة بالنفس وتحمل المسؤولية، ومساندتهم في عملية الاندماج والمشاركة المتكاملة من الطلبة ذوي الإعاقة، والتقبل غير المشروط والاحترام المتبادل، ما يساعدهم على التكيف والتوافق الاجتماعي إيجابيًّا .
وعلى الجامعات مواكبة المتغيرات التكنولوجية التي من شأنها مراعاة مصالح الطلبة ذوي الإعاقة الجامعيين والارتقاء بمستواهم، وخاصة الطلبة ذوي الإعاقة البصرية والحركية، ليتسنى لهم الانخراط في الحياة الأكاديمية انخراطًا يساوي أو يقارب ما هو متوافر لأقرانهم، والعمل على توفير الأدوات المساعدة المساندة لهم، كطابعة بريل وطباعة المساقات بهذه الطريقة، وتكبير مواد المساقات للطلبة ضعاف البصر، وتوفير برنامج ناطق باللغة العربية (نظام إبصار)، وتوفير غرف مصادر في المكتبة وغرف للتسجيل والاستخدام الفردي، وتوفير أجهزة الحاسوب الثابتة لتسجيل المواد والملاحظات الدراسية على أقراص مدمجة بحيث تشكل هذه الأقراص نواة لمكتبة ناطقة، وتوفير برامج للمسح الضوئي باللغتين العربية والإنجليزية، واستخدامها في إدخال الكتب والملخصات إلى الحاسوب، تمهيدًا لطباعتها بطريقة بريل.
ويجب النظر إلى قضية الطلبة ذوي الإعاقة الجامعيين في أثناء معالجة القضايا المرتبطة بهم على أنها لا تقل أهمية عن أي قضية تنموية حقوقية، بل قضية أساسية وليست ثانوية.
ومن العمليات التي يجب أن تكون حاضرة مساعدتهم في عمليات التسجيل، في حال مواجهتهم أي مشاكل، على أن يكون الطالب قد قام بما هو مطلوب منه في هذا المجال، وتوفير المرشدين لتسهيل أمورهم الجامعية ومتابعة طباعة الكتب والمناهج، والنشاطات الأكاديمية المطلوبة، وتنفيذ دورات للطلبة والمدرسين في مجال لغة الإشارة والإرشاد، واستخدام الحاسوب المبرمج بلغة بريل، وإنشاء أقسام في مكتبات الجامعات للطلبة من أصحاب الحاجات البصرية والسمعية، وضمان وصول الطلبة من مختلف الإعاقات إلى الخدمات الأساسية كالمكتبات، والعيادات الطبية في الجامعة، ومكاتب الإرشاد والنشاطات الطلابية، وتعيين أشخاص مختصين بنظام بريل للعمل في مختبرات الحاسوب للمكفوفين وتوفير المنح لهم.
نسبة كبيرة من الأشخاص ذوي الإعاقة لا يلتحقون بالجامعات الفلسطينية بسبب مفتاح القبول في الجامعات وحسب التخصصات، ما يؤدي إلى حرمانهم التعليم الجامعي وعدم وصولهم إلى الجامعات الفلسطينية، وأصبحت معظم الجامعات غير مؤهلة لاستقبال الطلبة من ذوي الإعاقة، وأصبح هناك تخصصات خاصة بهم ولا يستطيعون الوصول إلى التخصصات كافة، بسبب الإعاقة، وعدم مواءمة المرافق التعليمية، وقلة الوسائل المساندة.