فلسطين أون لاين

كورونا.. لا تهويل ولا تهوين

...
(أرشيف)

بقيت قاعدة «لا تهويل ولا تهوين» هي نقطة الانطلاق، والمعالجة الأسلم للتعامل مع التحديات والأزمات مهما كانت طبيعتها، التي تحيق بالأفراد والجماعات والمجتمعات. وتنطبق هذه القاعدة على تحدي فيروس «كورونا» الذي ينتشر في عشرات الدول. وقد سيطرت أنباء هذا الفيروس على ما سواها، بما في ذلك التطورات السياسية في عالمنا؛ وذلك لكونه يتعلق بالسلامة الشخصية للأفراد، كما بصحة المجتمعات. ويلعب الإعلام الحديث دوراً مشهوداً في تداول أخبار المرض، وهو ما حمل دولاً عدة على تجريم بث الشائعات حوله؛ لما لذلك من انعكاسات غاية في السلبية على السلم الاجتماعي، وعلى الاستقرار العام. ومع ذلك فإن نشر التقارير المكتوبة والمرئية والمسموعة ظل متداولاً على نطاق واسع، كما ازدهرت نظريات المؤامرة والاجتهادات الفردية حول «حرب بيولوجية» مزعومة، تستهدف أجناساً أو حتى جينات بشرية بذاتها دون سواها، وهو ما تفنّده الوقائع، فقد انتقلت آفة الفيروس من الصين مروراً بدول آسيوية إلى أوروبا وليس انتهاء بأمريكا. علماً أنه لدى دول العالم المتقدمة؛ ومنها الصين الإمكانات والوسائل، لفحص هذا الزعم، والتوصل إلى نتائج بشأنها فيما لو كانت قابلة لأن تؤخذ على محمل الجد.

من المفهوم أن تُعنى وسائل الإعلام بوفاة عدد من الأشخاص؛ إثر حادث ما، أو ظروف بعينها بأكثر مما تعُنى بكون ملايين الأفراد ما يزالون ينعمون بالحياة. غير أن من واجب الإعلام الإحاطة بجوانب الصورة، وعدم الانزلاق إلى الإثارة والتهييج العاطفي، وتصوير الفيروس على أنه وباء. ففي حالات الإصابة بالفيروس المستجد «كورونا»، فإن نسبة كبيرة تمكنت من الشفاء، وكما ردد أكثر من مسؤول طبي وبيولوجي بأن 95 في المئة على الأقل من حالات المرض قابلة للشفاء. وهو ما لا يحظى للأسف بتغطية واسعة. وحين يجري الحديث على نطاق ضيق عن شفاء مصابين، فإن ذلك يعني بداهة أن ثمة عقاقير تسهم في العلاج منه، وإلا كيف أمكن للمصابين أن يتمتعوا بالشفاء؟

من المفيد استذكار أن الألفية الثالثة شهدت بروز أمراض جديدة في كوكبنا، وقد تم التغلب عليها؛ مثل: «إنفلونزا الطيور»، و«إنفلونزا جنون البقر»، و«إنفلونزا الخنازير»، و«إيبولا»، و«سارس»، كما تم إلى حد بعيد التعامل مع مرض نقص المناعة، وتطورت خلال ذلك أساليب معالجة مرض الكوليرا، الذي يتجدد ظهوره على فترات متعاقبة. وإذ يشكل مرض «كورونا» تحدياً للكفاءات العلمية المتطورة في عالمنا، فإن الدول المتقدمة؛ ومنها: الصين والولايات المتحدة وغيرهما لا تملك إلا الاستجابة لهذا التحدي، وهو ما تعكف عليه مراكز الأبحاث الطبية وكليات العلوم والصناعات الدوائية في غير مكان في العالم؛ وذلك في سباق مع الزمن.

على نطاق عربي، فإنه تسجل استجابة سريعة لهذا التحدي في عدد ملحوظ من الدول العربية سواء بإجراءات الحجر( للمشتبه في إصابتهم)، وإجراءات العزل (للمصابين)، وكذلك إجراءات الفحص في المطارات والنوافذ الحدودية، ما أمكن من تقليص رقعة انتشار المرض، وإشاعة أجواء من الطمأنينة النسبية. على أنه يسترعي الانتباه أن عملاً جماعياً على مستوى وزارات الصحة العربية لم يبد ملحوظاً حتى الآن، وقد بقيت الاستجابة للتحدي محصورة داخل حدود كل بلد عربي، فيما لوحظ أن وزراء الصحة في الاتحاد الأوروبي عقدوا اجتماعات طارئة بينهم خصصت لتدارس سبل مواجهة هذا المرض على مستوى القارة الأوروبية.

وحتى على مستوى دولي فإن الأمم المتحدة تقوم ببث نشرات وتحذيرات حول المرض، وتفعل مثل ذلك منظمة الصحة العالمية، ولكن بوتيرة أفضل مع عقدها اجتماعات متلاحقة؛ لتقييم الوضع، ومناشدتها دول العالم بأن تجعل من مواجهة الفيروس أولوية قصوى في هذه المرحلة؛ إذ تقتضي المواجهة الفاعلة للمرض إيقاظ الحس بالحاجة إلى جهد جماعي، وتعاون مشترك واسع النطاق بين الدول المتقدمة؛ لمواجهة المرض حيثما كان، ولتقليص أضراره إلى الحد الأدنى ومنع تفشيه هنا وهناك، وخاصة لدى المجتمعات الفقيرة التي تعرف اكتظاظاً في عدد السكان. ويسترعي الانتباه في هذا المعرض إلى أن الدول المتقدمة تعاني المرض بأكثر من الدول الفقيرة في إفريقيا وآسيا، وهو ما يشي بأن التقدم العلمي لا ينجي بالضرورة من الآفات الصحية الطارئة.

المصدر / محمود الريماوي - صحيفة الخليج الإماراتية