يرى محللان سياسيان أن صفقة ترامب-نتنياهو ما كان لها أن تكون لولا "التطبيع المحموم" بين أنظمة عربية والاحتلال الإسرائيلي، الذي أصبح رئيس وزرائه المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو يراه "مفخرة" لدولة الاحتلال.
ولولا تطبيع أنظمة عربية أيضًا، لما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 28 كانون الآخر (يناير) الماضي، خطته لتسوية الصراع مع الاحتلال على حساب حقوق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة، عاصمتها القدس الشريف، كما يؤكد المحللان.
وجاء إعلان صفقة ترامب-نتنياهو من داخل البيت الأبيض بالعاصمة الأمريكية واشنطن، في حضور نتنياهو، وأطراف دولية، وسفراء عن ثلاث دول عربية، لكنها لاقت رفضًا فلسطينيًّا وعالميًّا، كما شهدت عواصم أوروبية فعاليات مناوئة لها.
ويرى الكاتب المحلل السياسي مصطفى الصواف أن تطبيع أنظمة عربية -وخاصة في الخليج العربي- مع الاحتلال الإسرائيلي يشكل خطرًا كبيرًا على القضية الفلسطينية، يوازي خطر رؤية ترامب لحل الصراع.
ويضيف الصواف لصحيفة "فلسطين": "التطبيع مع الاحتلال يشكل المقدمة التي شجعت الإدارة الأمريكية والاحتلال الصهيوني على تصفية القضية الفلسطينية، بموافقة عربية من الدول المطبعة مع الاحتلال".
ويشير إلى أن هذه الأنظمة ترى "التطبيع مع كيان الاحتلال جسرًا يوصلهم للإدارة الأمريكية للمحافظة على كرسيها ومكانتها في الحكم"؛ وفق وصفه.
ويرى أن مخاطر التطبيع لا تكمن في تصاعد وتيرته علنًا تزامنًا مع إعلان ترامب خطته السياسية، لكن التطبيع من البداية لا يمكن أن يوصف إلا بأنه "خيانة"، والموقف العربي كان يمكن أن يبقى كما كان سابقًا قبل سنوات طويلة، على أساس أن الاحتلال الإسرائيلي العدو الرئيس للأمة والشعب الفلسطيني وقد زرع من قبل الاستعمار الغربي لكي يمارس هذا الدور الذي يمارسه الآن.
ويلفت إلى أن "التطبيع كان جريمة قبل مجيء ترامب، وأصبح جريمة مركبة بعد إعلان صفقة ترامب".
وتابع: "لم يشجع ترامب على ما قام به إلا هذا التطبيع والمشاركة والتأييد من الدول المطبعة"، معتقدًا أن هذا التطبيع ربما يكون أخطر من صفقة ترامب-نتنياهو، ووعد بلفور عام 1917م، لأنه بموافقة عربية.
وبشأن صفقة ترامب-نتنياهو، يقول الصواف: "عندما أعلن ترامب الرؤية الأمريكية من داخل البيت الأبيض في واشنطن، لم يحضر الجانب الفلسطيني، والصفقة تحتاج إلى طرفين، في حين وجد طرف واحد، وشهود زور من بعض الدول العربية التي صفقت لهذا التجمع الصهيوني اليهودي الأمريكي لبيع فلسطين، التي ستتحرر على أيدي أهلها".
من جهته يقول الكاتب المحلل السياسي عادل شديد: "إن مجرد شعور (إسرائيل) أنها دولة طبيعية في المنطقة، وليست عدوًّا لشعوب دول هذه المنطقة، يشكل خطرًا كبيرًا على الشعب الفلسطيني وقضيته، ويعمل على إضعاف حركاته الوطنية المقاومة".
ويرى شديد أن أحد أهم الأسباب التي تدفع الاحتلال الإسرائيلي إلى "تمتين التطبيع وتقوية علاقته" بأطراف عربية، إيصال الشعب الفلسطيني إلى "حالة اليأس"، وإثبات أن الدول العربية والإسلامية تخلت عنه، وذهبت باتجاه بناء علاقات مع (إسرائيل)، وكأن فلسطين وشعبها ومعاناته لا يعنيها، كما لا يعنيها احتلال القدس.
ويتابع: "ليس المراد من التطبيع أن تدخل (إسرائيل) المنطقة، وأن تكون على رأس أحد المحاور، وأن تواجه إيران بالتحالف مع دول عربية وإسلامية، لكن هناك جزء خاص بالفلسطينيين، وهو تصوير أن قضيتهم لم تعد قضية كل العرب والمسلمين، ولم تعد مركز الصدارة والاهتمام في المنطقة".
ويذكر أن من مخاطر التطبيع مع الاحتلال تغييب النقاش الإقليمي والدولي للقضية الفلسطينية، وعدها مثل أي أزمة في المنطقة، وبذلك يشكل التطبيع ضربة قوية جدًّا للقضية الفلسطينية.
ويشدد المحلل السياسي على ضرورة الفصل بين الشعوب العربية وأنظمتها في موضوع التطبيع، مدللًا على ذلك باعتراف الاحتلال أن السلام مع مصر والأردن، "لا يزال باردًا"، وفق التعبير الإسرائيلي، ما يعني أنه بين حكومات متعاقبة، دون أن يمتد للشارعين المصري والأردني، اللذين يعدان الاحتلال الإسرائيلي "العدو الوحيد" للعرب.
ويختم: "من النتائج السلبية لاتفاقيات التسوية بينهما: "كامب ديفيد"، و"وادي عربة" و"أوسلو"، تراجع المنظومة العربية والقومية في العالم العربي والإسلامي، وأن أصبحت (إسرائيل) "أقل عداوة" في نظر شريحة من العرب لا ينظرون إليها أنها خطر".