فلسطين أون لاين

​المحبة رأس الهرم في أداء العبادات وغيابها يفسدها

...
غزة - هدى الدلو

في الأصل إذا أحب الإنسان شيئًا عمله بإتقان نابع من القلب، لأنه لا يعمل إلا إذا أحب، فأصل الأعمال محبة، سواء كان ذلك لجلب منفعةٍ أو دفع ضررٍ عن نفسه، فما بالك لو اقترنت عبادة المسلم لربه بالمحبة، وكأنه قرر أن يبعث في طاعته الروح، بدلًا من أن يؤديها بقشورها لعدم وجود محبة قلبية، فلو كان قلبه متعلقًا بمحبة الله والوصول إلى جنته أدى عبادته على أكمل وجه، فالعبادة طاعةٌ لله مع المحبة، فمن أحب الله ولم يطعه فهو كاذب في محبته، ومن أطاعه ولم يحبه فعبادته غير صحيحة.

يقول د. زياد مقداد -أستاذ مشارك في الفقه وأصوله في كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية-: "إن أصل العبادة في الإسلام يختلف عن سائر العبادات في الأديان الأخرى، لأنه قائم بالدرجة الأولى على محبة الله، إضافة إلى معاني الرجاء والخوف التي تدفع المسلم إلى الطاعة".

وأوضح أن الأساس هي المحبة كما أنها رأس الهرم في أداء العبادات والطاعة لله، لأن الإنسان إذا أطاع دون محبة فتكون عبادته غير مقبولة؛ لأنها قائمة على الرياء والنفاق وتكون أمام الناس، كما أنه غير مقتنع بها، وبالتالي عبادته غير صحيحة ومنقوصة.

وأشار د. مقداد إلى أن المحبة رأس العبادة، وإذا غابت ماتت العبادة، وذكر قول ابن القيم: "القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر؛ فالمحبة رأسه، والخوف، والرجاء جناحاه؛ فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيِّدُ الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائدٍ وكاسر".

وقال آخر: "أكمل الأحوال اعتدال الرجاء والخوف، وغلبةُ الحب؛ فالمحبة هي المرْكَبُ، والرجاء حادٍ، والخوف سائق، والله الموصل بمنِّه وكرمه"، وقد أشار الله في قرآنه الكريم في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ"، فإذا لم يحمل المسلم صفة الحب لله في قلبه وفي أدائه لعبادته يضعف إيمانه.

وبين د. مقداد أن المحبة تعد شرطًا من شروط العبادة، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ، وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ؛ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ".

وأضاف: "لذلك ينبغي أن تكون المحبة هي الدافع الحقيقي للعبادة، لأن المسلم سيكون وقتها مطيعًا في السر والعلن، ويؤديها رجاءً وطمعًا في رضا الله وخوفًا من عذابه، كما أن المحبة تعطي الدافعية لأن تقدم العبادة على أكمل وجه بأركانها وسننها وشروطها، وبالتالي تكون المحبة هي المظلة للطاعة والعبادة والرغبة فيما عند الله".

ونوه د. مقداد إلى أنه إذا غابت المحبة فإن غيابها يفسد العبادة، فهي سر بين العبد وربه، فعبادة من غير محبة كأنك تقوم مجبرًا فلا يقبل الله عبادة غير قائمة على المحبة، أي أنه يجب أن تكون شعورا راسخا لكي تقبل العبادة ويكون لنا أجر ويتحقق الرجاء، كما أنها تدفع المسلم إلى تزيين الطاعة وأدائها على أكمل وجه.

ولفت إلى أن غياب المحبة مبنيٌ على ضعف الإيمان، وعدم معرفة صفات الرحمن، لأن الإنسان إذا عرف صفات الرحمن وعدله وكرمه فلا يمكن إلا أن يحبه، ومن غفل المحبة في عبادته فهم لا يدركون أسماء وصفات الله الحسنى وإيمانهم به، وتكون عبادتهم قاب قوسين أو أدنى، وبسبب الابتعاد والجفوة عن القرآن الكريم، فكلما كنت أكثر قربًا من القرآن زادت محبة الله.

وختم د. مقداد حديثه: "لا بد من تقوية الإيمان بالإقبال على الله بالطاعات، والامتثال لأوامره، وهي أمر متبادل, فالطاعة تزيد المحبة، والمحبة تجعلك مقبلا على الطاعة، إلى جانب فهم مقاصد الشريعة الإسلامية، ويجب أن نعرف أن لا أحد يستحق المحبة سوى الله سبحانه وتعالى".