فور انتهاء جولة العدوان الإسرائيلي الأخير ضد قطاع غزة، خرجت جملة استخلاصات واستنتاجات إسرائيلية، يغلب عليها طابع التشاؤم، عقب ما عدوه قدرة الفلسطينيين على بداية المواجهة وإنهائها، الأمر الذي يؤكد، وفق نظرة أصحاب هذه الاستنتاجات أنه لا مناص من عملية عسكرية واسعة تكون صعبة، تتطلب استخبارات قوية، وبعض العمليات البرية المفاجئة، دون أن تشمل إعادة احتلال القطاع، لكنها تتطلب الوصول لمفاصل القوة الحقيقية للفلسطينيين.
هذا الاستخلاص الإسرائيلي السلبي، إن صح التعبير، مصدره أن الأمل يتضاءل مع مرور الوقت بإمكانية تحقيق تسوية مع حماس، أو شراء الهدوء بالدولارات القطرية، وتصاريح العمل، وتوسيع مساحة الصيد، يمكن أن يحقق ذلك هدوءًا قصير المدى، لكن على المدى البعيد سيكون هذا التفكير خاطئًا، لأن حماس تريد من تخفيف حصار غزة إتاحة حرية الحركة أمامها، والقدرة على وصول الضفة الغربية، وبناء قوة عسكرية فتاكة، وإبرام صفقة تبادل أسرى يطلق خلالها سراح العديد من كبار أسراها.
ولما كانت التهدئة التي تسعى إليها إسرائيل مختلفة تماما عما تريدها حماس، فإن الفجوات بينهما تبدو بعيدة، وعصية على جسر الهوة بينهما، مما يجعل الإسرائيليين، لاسيما العسكريين منهم، على قناعة أن العملية العسكرية القادمة في غزة سيكون لها أثمان تدفعها إسرائيل، وهنا يمكن تفهم سبب ترددها، لكن في النهاية لا مناص منها، رغم وجود "غزة أخرى" تحت الأرض بسبب شبكة الأنفاق التي حفرتها الحركة، مما يجعلها محصنة من الضربات الجوية.
بعد انتهاء التصعيد الأخير، تعالت الأصوات الإسرائيلية التي ترى أن المهمة الإسرائيلية أمام حماس تضاعفت، وما كان يمكن القيام به عقب حرب غزة الأولى في 2008، بات أكبر وأخطر عما ستقوم به إسرائيل بعد حرب غزة الثالثة 2014، واليوم أصبح الوضع مختلفا كليا، صحيح أن إسرائيل يمكن أن تدفن رأسها في الرمال، لكنها في النهاية سوف تصل إلى نقطة المواجهة أمام حماس.
الحكومة الإسرائيلية القادمة بعد الانتخابات ستطلب من قائد الجيش أفيف كوخافي أن يحضر خططه العسكرية على الطاولة، وهي خطط لن تكون بلا أثمان بشرية قاسية تدفعها إسرائيل، سيكون لها بالتأكيد أثمان نخسرها، لكن الجيش ملزم، كما يقول الإسرائيليون أنفسهم، بتحقيق الهدف المراد منه بالوصول إلى مرحلة جديدة من الردع لسنوات طويلة قادمة.
يعتبر الإسرائيليون أن هدف العملية القادمة هو التصدي لظاهرة تنامي القوة العسكرية لحماس، ومن سيقود الحرب القادمة دون الأخذ بعين الاعتبار هذه المسألة سيكون كمن يهدر أوقاتهم دون داعٍ، ويحول نتائج المعركة إلى سدى، لا يتعلق الأمر بمواجهة عابرة أو جولة خاطفة، بل عملية طاحنة لن تسلم منها إسرائيل ذاتها، خاصة إن أبقت الفلسطينيين دون شيء ما يخسرونه!