استكمالا لسطور الأمس، فرغم أن الجيش الإسرائيلي رفض الكشف عن عدد الجنود الذين تأثروا في الهجوم الإلكتروني لحماس، فإن التقديرات السائدة تتحدث عن بضع مئات، زاعماً أنه لم تتم إصابة سوى هواتف المجندين والضباط ذوي الرتب المنخفضة ببرامج التجسس التابعة لحماس.
هذه المحاولة الثالثة التي تقوم بها حماس في السنوات الأخيرة لخداع جنود إسرائيليين، لتثبيت برنامج على هواتفهم قد تستخدمه الحركة لجمع المعلومات عن الجيش، وسبق الكشف عن جهود مماثلة في يناير 2017، ويوليو 2018، ما دفع الجيش إلى قصف قسم العمليات السيبرانية لحماس بغزة في مايو 2019 خلال إحدى جولات التصعيد العسكري في القطاع.
عملياً، بمجرد إجراء الاتصال، كانت النساء الوهميات تعرضن إرسال صور لأنفسهن، فقط في حال قام الجندي بتنزيل أحد التطبيقات الثلاثة، وهي في الواقع برامج تَجسُّس، وعند تنزيل التطبيق على الهاتف، يحصلون على إشعار وهمي بأن الهاتف لا يدعم التطبيق، وبعدها يختفي، ولكن في الحقيقة يكون الهاتف مصاباً بعدها.
وبمجرد الإصابة عبر تنصيب برامج التجسس، يتم توصيل الهاتف مباشرة بخوادم حماس، ويمكن للحركة تشغيل الكاميرات لالتقاط الصور، وتنزيل الملفات من الجهاز، ورؤية جهات اتصال الجنود، وبيانات نظام تحديد المواقع العالمي، وفي هذه المرحلة يتوقف نشطاء حماس عن التواصل مع الجنود.
اللافت أن حماس تنجح في كل مرة بمحاولاتها الاختراقية هذه، رغم أن قسم أمن المعلومات الإسرائيلية، يواصل إرسال تحذيرات جديدة للجنود، يخبرهم بعدم التحدث لأشخاص لا يعرفونهم على وسائل التواصل، لتجنب مشاركة المعلومات السرية، وتنبيه ضابط الأمن التشغيلي على الفور إذا بدأت هواتفهم بالتصرف بشكل غريب.
نقلت حماس هذه التطبيقات عبر محادثات على وسائل التواصل أجرتها شخصيات وهمية من جانب الحركة مع جنود وضباط، وأقنعتهم بالاستمرار في التواصل عبر هذه التطبيقات المعيَّنة.
وأنشأت حماس مواقعَ مشابهة لمواقع التطبيقات الخاصة بالمواعدة، واستخدمت قدراتها التقنية لبناء مواقع تصيد مشابهة للمواقع الحقيقية لتطبيقات المواعدة المستخدمة، واستخدمت أسماء ممثلين وشخصيات تليفزيونية ومشاهير لخداع الجنود في البداية، وقدمت الشخصيات الوهمية نفسها للجنود والضباط عبر وسائل التواصل، ومنها "تيليغرام"، على أنها صمَّاء أو ضعيفة السمع، وتمكنت من إجراء حوار دون إثارة الشكوك بعدم وجود محادثة صوتية.
تشير هذه التطورات الأمنية المتلاحقة لسعي حماس الدؤوب للحصول على معلومات عن الإسرائيليين، وتطوير الطريقة التي تعمل بها برامج التجسس، في حين لم تتوقف الجهود الإسرائيلية لاختراق مواقع التواصل ومجموعات المحادثات الخاصة بحماس، لوضع اليد على أكبر قدر وأخطر كم من المعلومات الأمنية والعسكرية المطلوبة.
كل ذلك يعني استمرار حرب العقول وصراع الأدمغة بين حماس وإسرائيل دون سفك الدماء، بهدف معرفة كل طرف عن الآخر كنز معلوماته السرية، تحضيراً للمواجهة الميدانية الدامية على الأرض.