ما رأيك في نبذ شاب كان والده عميلًا للاحتلال؟، وما رأيك في صداقة نشأت بين ابنتك وفتاة لقيطة؟، هل توافق على تشغيل عامل لديك أخوه مدمن مخدرات؟، هل تقبل زواج ابنك فتاة أختها قُتلت في "قضية شرف"؟ ... إلخ.
يحاسب المجتمع أشخاصًا كُثرًا على أخطاء ارتكبها غيرهم، ولا يد لهم بها، ما ذنب الواحد منا لأن من يمتُّون إليه بصلة ارتكبوا أخطاءً بحق أنفسهم أو بحق آخرين؟!، غالبية الناس ستقول: لا يجوز محاسبة شخص غير المخطئ نفسه، ولكن الذي يحدث في الواقع نقيض ذلك.
اسمحوا لي أن أروي لكم حكايتي، ثم سأترك لكم المجال لتصدروا حكمكم بأنفسكم، ولكني أرجو منكم العدالة والإنصاف، إن كان ما يزال هناك عدالة على الأرض في وقت اختلت فيه موازين البشر.
تزوجت في السادسة عشرة من عمري، وبطبيعة الحال لم أكن قد أنهيت الثانوية العامة، بعد ضغط كبير من والديَّ، سنوات زواجي الثماني الأولى مرت بسلام، تحديات كثيرة تغلبت عليها بشق الأنفس، وصعاب اجتزتها وانتهى أمرها، إلى أن ارتكبت الخطأ الأكبر في حياتي ذات يوم.
لم يكن هو التحدي الأكبر الذي أواجهه منذ زواجي، ولكن ما حدث هو أنني فقدت أعصابي وصبري، لن أطيل عليكم بشرح ما جرى، ولكن النتيجة النهائية كانت أنني حزمت ملابسي، وضممت أبنائي إلى صدري وقفلت عائدة إلى بيت أهلي.
بعد مفاوضات طويلة وتدخلات ممن حولنا وافق زوجي على الطلاق، شريطة أن أتخلى عن طفليَّ، وهو ما لم أكن لأقبله بأي حال.
قبل أن أكمل الحكاية أتمنى أن تنصت لنصيحتي جميع النساء، حتى لا يقعن فيما وقعت به: إذا كان زوجك يحترمك، ويحافظ على بيته الذي يعني له الكثير، فإياك إياك أن تتركي بيتك، مهما حدث، قليلًا من الصبر، وبعضًا من الحكمة في معالجة الأمور، وكثيرًا من الحب، وتسير بعدها الأمور على ما يرام، تركك بيتك يشرِّع أبواب العواصف العاتية التي تزلزل أركانك، وتهدم إنجازات سنواتك الماضية.
كما أن العودة لبيت أهلك برفقة أطفالك أمر لا تُحمد عُقباه، فقد تصبحين مخيَّرة في وقت بين أطفالك وأهلك.
لم يرحب أهلي بصغاري، خاصة عندما أدركوا أني سأترك زوجي وأحتفظ بهم، وهو ما دفعني إلى العودة لبيتي من دون شروط، ويا ليت الأمر اقتصر على ذلك!، بل تعداه حين تطاول أهلي تطاولًا لا يقبل على زوجي عندما حضر لإعادتي إلى بيتي، ولكن وجود وتدخل جماعة الإصلاح حالا دون تفاقم المشكلة.
لم يعد زوجي كما كان سابقًا، أصبح شديد الحساسية لكل ما يمت لأهلي بصلة، يعايرني بهم (مع أنه لم يفعل ذلك سابقًا)، يحتقر سلوكياتهم ونمط عيشهم، وكلما هممت بزيارتهم افتعل الكثير من المشاكل، وخاصة حين أنوي اصطحاب أطفالي معي، وفي الوقت ذاته لا أستطيع هجر أهلي لأجله، فإن كنت لا أتفق معهم في كثير من الأشياء يبقوا أهلي، غير أن زياراتي إليهم قليلة جدًّا، أضف إلى ذلك فقداني الأمان برفقته وشعوري بعدم الاستقرار معه، أحاول قدر استطاعتي تجنب ما يثير غضبه، ولكنه يختزلني في أنني فقط ابنة تلك الأسرة التي ربطه سوء الحظ بها، وفي كل خلاف يردد علي قائلًا: "لن أُبقي عليك، في يوم ما سأتزوج عليك، ما يجعلني أصبر عليك الآن هم فقط هؤلاء الأطفال الذين يحتاجون لأمهم".
يتضاعف النكد والتوتر في البيت، إن وقع أحد أبنائي أو جُرح أو نقصه علامة في امتحان، تقوم الدنيا ولا تقعد ويتهمني بالتقصير، وبأنني لا أصلح لأن أكون أمًّا، أوضح له بأن الأطفال يلعبون ويقفزون، فقد يقعون وتُشج رؤوسهم وقد يصابون بخدوش، فليس بإمكاني أن أقف حارسًا لكل واحد منهم.
لم أعد أرغب بالبقاء معه، لم أعد أحتمل ضغطه عليَّ، مع أنني أدرك تمامًا أن رغبتي هذه ستضعني مرة أخرى بين خيارين أحلاهما أشد مرارًا من العلقم، إما البقاء واحتمال ما لم أعد قادرة على احتماله، وإما الرحيل وترك أطفالي له ومعاناة الابتعاد عنهم.
فهل أستحق حقًّا ما يحدث لي لأن زوجي لا يتفق مع أهلي ولا يحبهم؟