يلجأ بعضٌ إلى وسائل التفافية من أجل التحايل على النظام والقانون، كالتقارير الطبية الزائفة وسيلة للتهرب من الدوام وتحمل المسئولية، خاصة تلك التقارير التي تتضمن توصية من طبيب بالحصول على إجازة مرضية، أو تزوير تقرير بخلو الشخص من أي مرض أو علة من أجل الحصول على وظيفة، وغيرها من الأساليب، فما حكم إصدار هذه التقارير؟
قال رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي، رئيس المحكمة العليا الشرعية، الشيخ الدكتور حسن الجوجو: "الأصل في إصدار أي تقارير أن تكون المعلومات صحيحة، فالتقرير الطبي الذي يحمل توصية الطبيب بإجازة مرضية والأمر لا يستدعي له لا يجوز شرعًا، لأن الدوام أمانة من الأمانات التي يجب المحافظة عليها".
وأشار إلى أن التقارير الطبية المصطنعة هي خيانة للأمانات، لقوله (تعالى): "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ"، وتهرب الموظف من أوقات الدوام هو مخالفة شرعية.
وأضاف د. الجوجو: "فالأصل في الإنسان المسلم أن يحفظ الأمانة ويؤديها على أكمل وجه، ويستشعر مراقبة الله في كل تصرفاته وجميع أموره، وأن يصدق الله في قوله وعمله، ويبتعد عن مسالك الخيانة والشبهة، فلا يرد موارد الظن والريبة، لقوله (تعالى): {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}".
وذكر قول ابن الكثير: "يُخبرُ (تعالى) أنَّه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها، وفي حديث الحسن عن سمرة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك"، وهو يَعمُّ جميع الأمانات الواجبة على الإنسان، فمن حقوق الله (عزَّ وجلَّ) على عباده من الصلاة والزكاة والصيام والكفارات والنذور وغير ذلك مِمَّا هو مؤتَمَن عليه لا يطَّلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض، كالودائع وغير ذلك مِمَّا يأتَمنون به من غير اطلاع بينة على ذلك، فأمر الله (عزَّ وجلَّ) بأدائها، فمَن لَم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة".
ولفت د. الجوجو إلى أن العقد القائم بين الموظف والجهة الرسمية كالحكومة أو شركة خاصة هو قائم على حقوق وواجبات، فإن لم يلتزم الموظف بالواجبات الملقاة عليه فإنه يخل بموجبات العقد، ومن صفات المؤمن الوفاء بالعقود، لقوله (تعالى): "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ".
وبين أن الحصول على إجازة مرضية بغير وجه حق -وخاصة إذا كان يتقاضى في مقابلها راتبًا- فهو لا يحل له، لأنه حصل عليه من غير مقابل، لذلك عليه أن يؤدي عمله على الوجه المطلوب.
وأشار د. الجوجو إلى أن من يقدم تلك التقارير الكاذبة ويلجأ إليها يقع عليه عقوبتان: الأولى دينية شرعية، فيكون آثمًا عند الله، وهو يتولى عقوبته في الدنيا أو الآخرة، والثانية قانونية، فإذا ثبت أنه قدم معلومات كاذبة عن نفسه فإنه يعد تدليسًا بموجبه يفسد العقد.
ونبه إلى أن هذه التقارير تعود بالأثر السلبي على المجتمع، فالأصل في المسلم أن يكون صادقًا وأمينًا مع نفسه والآخرين، ولا يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذابًا.