فلسطين أون لاين

مشاعر امرأة وبركان لا يخبو

ما سأقوله هنا مجرد مشاعر تطفح بها نفس فلسطينية حرة تنتفض داخلي، تؤثر الجوع أن يقرض أمعاءها والرصاص أن يخترق جسدها والأسر أن يلتهم عمرها على أن تستجدي حياة.. أي حياة كانت.. ففلسطين لم ترضعنا إلا حليباً مشبعاً بالعزة والكرامة فلا نرضى الذل لأنفسنا.. أما من رضع حليب حمير وبغال، فذلك لا ينتمي إلينا ولا إلى فلسطين.. هو دخيل علينا وعلى قيمنا.. لذا نحن نلفظه ونرفضه بكل ما أوتينا.

بعيداً عن السياسة وما يجري في أروقتها القذرة يدور حديثي اليوم، فإن تحدثت عن صفقة القرن فإني أتحدث عني فيها، وما يخصني ويخص شعبي.. ليس تأويلاً وتحليلاً لما يخططون وما يرومون وما سيصير عليه الحال خلال ذلك وبعد ذلك.

قبل عامين وقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مؤتمر استعراضي معلناً أن القدس عاصمة "للدولة الصهيونية"، بكينا، وصرخنا وملأنا الدنيا جعجعة وضجيجاً ولم نرَ طحناً.. خرجت المسيرات المؤيدة والداعمة لرئيس السلطة ليرفض القرار، وخرج هو بخطاب تاريخي (كما هي عادة خطاباته، فجميعها تاريخية) وشرع يدور في فلك بكائيات ممجوجة حفظناها عن ظهر قلب. ثم عاد ألعوبة الصهاينة ترامب بعد عام مرة أخرى ووقف يملِّك الصهاينة أراضي الجولان، وتكررت ردة الفعل ذاتها ولكن بوتيرة أخف بكثير تحت ذريعة أن الجولان أراضي سورية.. وفي إطلالته الثالثة في العام الثالث، أعلن عن صفقة القرن التي أشبعنا الإعلام حديثاً عنها منذ تولي ترامب للرئاسة.

وقفنا ننتظر على أحر من الجمر لنرى موقف رئيسنا المبجل الذي عاد للصراخ والضجيج –كالعادة-، ظننا هذه المرة بعد أن آلت أحوالنا إلى هذا المآل بأنه سيعتزل الرئاسة، وسيعلن عن فشله وهزيمته في استعادة حقوقنا بطرقه السلمية التي يؤمن بها، ويوقف التنسيق الأمني، ويتخلى عن جميع الاتفاقيات التي كبلته أمام الاحتلال، وينعى اتفاق أسلو ويبث خبر وفاته، ويطلق صراح جميع الأسرى السياسيين ويطلق يدهم ويد الأحرار في الضفة ليمارسوا حقهم في مقاومة المحتلين، ويعلن عن رفع العقوبات عن غزة ثم يذهب إليها بنفسه، راكعاً على أبوابها، ممرغاً وجهه في ثراها طالباً منها ومن أهلها السماح والمغفرة، ثم يضع يده في أيدي مقاوميها.. ويفتح صفحة جديدة ناصعة البياض عنوانها: المقاومة المسلحة.

انتظرنا أن يأتينا الرئيس نادماً معترفاً بأنه كان مخطئاً في تمرغه تحت بساطير الصهاينة وفي تنسقيه الأمني معهم.. فيستعيد احترامنا له ويعيد الأمل إلى نفوسنا.

ولكن في مساء الثلاثاء الماضي مُنينا بخيبة ما بعدها خيبة.. خيبة تفوق إعلان ترامب الأخير نفسه. فسيادة الرئيس ما يزال مصراً على مواقفه الانهزامية، وآرائه الاستسلامية باستماتة منقطعة النظير، وبطريقة لا تليق بشعب حر مقاوم.

أمام مجلس الأمن وقف يعلن عن رفضه لصفقة القرن كلامياً، وكأن الكلام يطعم جائعاً ويروي عطِشاً، ويؤكد في الوقت ذاته على أنه يمد يده للسلام مع المحتل الذي نقض كل الاتفاقيات والعهود السابقة.. ويشدد أيضاً على نبذ ورفض( العنف والإرهاب) وكأن مقاومتنا لمن يحتلون أرضنا وينتهكون حرماتنا ويدنسون مساجدنا عنف وإرهاب. ويركز على تمسكه باتفاق أسلو رغم أن صفقة القرن تمحو وتنسف كل ما سبقها من اتفاقيات، ولا ننسى أن الصهاينة لم يلتزموا في يوم ما باتفاقيات أبرموها مع السلطة.

ويا ليته قال ذلك وسكت.. بل زاد وزاد وزاد حتى فاض كيلنا وطفح.

بركان غضب يغلي داخلي ويكاد ينفجر، فإلى متي سنبقى هكذا؟ هل ستتلاشى أراضينا إلى درجة أننا قد نجد أنفسنا مضطرون إلى هجرها رغماً عنا كما حدث لنا في البداية فيطوى بذلك كتاب حكاية كانت في يوم ما تسمى فلسطين؟؟