على غير العادة، نبدأ سطورنا بتساؤل لافت: هل بات من التكرار غير اللازم الحديث عن وجاهة استمرار التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ومدى جدية وقفه، رغم تكرار التهديدات الفلسطينية الصادرة عن الرئيس أبو مازن؟
الإسرائيليون يبدون ثقة لافتة ومفاجئة، بأن عباس الذي في الوقت الذي يواصل دفع الرواتب للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية باليد اليمنى، فإنه عبر اليد اليسرى يواصل إحباط العمليات والهجمات المسلحة ضد أهداف إسرائيلية، إلى درجة الزعم بأن عباس بات جديرا بأن ينال جائزة الأمن الإسرائيلي.
يرى الإسرائيليون أن عباس ما زال يتطلع إلى صناعة السلام مع إسرائيل، رغم القطيعة السياسية السائدة بينهما، لكن من الواضح أن هذا السلام لن يتحقق في عصره، لكن ما يثير كثيرا من التساؤلات عن السبب في تمسك عباس بهذا التنسيق الأمني، وعدم الضغط على إسرائيل، ومحاولة لي ذراعها، من خلال التهديد الجدي بوقفه، وليس فقط الحديث الإعلامي، الهادف لإبراء الذمة ليس أكثر أمام الرأي العام الفلسطيني.
مع العلم أن الموقف المعلن لعباس من استمرار التنسيق الأمني لصد الهجمات المسلحة ضد إسرائيل يعود إلى معارضة من الناحية المبدئية، حتى في ذروة الانتفاضة الثانية، ولعله كان الوحيد من القيادة الفلسطينية الذي امتلك الشجاعة للخروج علانية ضد العمليات الاستشهادية واستخدام السلاح الناري، وهكذا فهو اليوم يطبق أجندته الحالية على أرض الواقع بعد مرور 15 عاما على انتخابه رئيسا للسلطة الفلسطينية.
الغريب أن الإسرائيليين يغذون في ذهن عباس، والفريق المحيط به، فرضية خاطئة مفادها أن استمرار الهجمات المسلحة، وإن كانت ضد أهداف إسرائيلية، فإنها قد تمس به، وتعرض سلطته للخطر، وعدم الاستقرار، مما قد يجعله يخشى من خروج أي هجمات مسلحة ضد إسرائيل عن السيطرة.
عباس المستمر في ملاحقة منفذي الهجمات المسلحة ضد اسرائيل، ما زال يواصل إعلان تقديسه للتنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، مما يجعل إسرائيل مدينة له في إنقاذ حياة وأرواح مواطنيها، وهناك من الإسرائيليين من يطالب بمنحه جائزة أمن إسرائيل.
يصعب على هذه السطور أن تقفز عن حقيقة قاسية تتمثل في ما تقوم به الأجهزة الأمنية التابعة لعباس باعتقال المئات من عناصر حماس في الضفة الغربية، والنجاح في إحباط العديد من القنابل الموقوتة، من خلال تبادل معلومات سرية مع إسرائيل، ويمكن إرجاع "الفضل" إلى عباس في عدم إطلاق انتفاضة فلسطينية ثالثة، وفق التوصيف الإسرائيلي.
يعلم عباس جيدا أنه يتلقى انتقادات فلسطينية كبيرة بسبب استمراره بالتنسيق الأمني مع إسرائيل، ومع ذلك فإنه يحافظ عليه، ورغم عدم تحقيقه للسلام السياسي مع إسرائيل، لكن الإسرائيليين على الصعيد الأمني سيشتاقون إليه كثيرا!