صحيح أن الأونروا التي أنشئت بقرار من الأمم المتحدة في كانون الأول 1949م، وبدأت عملها في مايو 1950، لترعى نحو 58 مخيما داخل حدود فلسطين المحتلة وفي الشتات.
وصحيح أيضا أنها نجحت في إنشاء نحو 140 مركزا صحيا ونحو 700 مدرسة، وتقدم خدماتها لملايين اللاجئين الذين بلغو نحو نصف تعداد الشعب الفلسطيني، وقدمت خدماتها التعليمية لمليوني لاجئ كان منهم القائد السياسي والفدائي والطيب والمهندس والمخترع.
لكن الأونروا التي أنشئت بقرار أممي حتى عودة اللاجئين الى مدنهم وقراهم التي هجروا منها، تعاني اليوم من العديد من الأزمات، أبرزها الأزمة المالية, ما انعكس على خدمات الوكالة وعلى اللاجئين بالسلب، حيث بدأت عام 2015 خطة تقشفية بقرار من مفوضها بيير كرينبول.
أزمة مالية تضاف إلى الأزمات التي يعاني منها اللاجئون في المخيمات ذات المنازل المتلاصقة، حتى تلاشت الخصوصية بين العائلات، نتيجة الزحام الشديد، فتحولت البيوت إلى أماكن غير صالحة للحياة البشرية خصوصا في حر الصيف اللاهب، أو برد وأمطار الشتاء التي تتحول إلى قنوات ومزاريب.
كل هذا والأمم المتحدة ما زالت تتذرع بعدم وجود أموال كافية، وهو أمر غير مبرر، لأن موازنة الوكالة ينبغي أن تصرف من صندوق الأمم المتحدة، وليس من أموال المانحين كما هو معمول به الآن.
الأمر الذي أغرى ترامب وحتى قبل اعلان صفقته، الإعلان عن وقف دعمه لموازنة الأونروا الذي يشكل نحو 30% من الموازنة والبالغ 360 مليون دولار.
(إسرائيل) استغلت التوجه الأمريكي للمطالبة بتصفية الأونروا وأسقطت بند دعم الوكالة من جدول اعمال الجمعية لعامة للأمم المتحدة على يد سفيرها داني دانون.
مزيد من التضييق على الأونروا فرض عليها إجراءات تقشفية جديدة بالاستغناء عن موظفين جدد، وتصفية برنامج الطوارئ بشكل كامل في قطاع غزة ما دفع أحد موظفيها غسان وشاح لإحراق نفسه احتجاجا في يوليو 2018م، إضافة لـ 118 موظفا كانوا ضحية التقشف في برنامج الطوارئ.
قرار الفصل طال أكثر من ألف موظف، ومن المتوقع أن تطال الإجراءات آلاف الموظفين الآخرين رغم ظروفهم المعيشية بالغة الصعوبة.
قوبلت هذه الإجراءات التقشفية بحملة من الاحتجاجات من جمهور اللاجئين، رغم ذلك إلا أن هناك إجماعا على أن الاختلاف على الوكالة وليس معها، فيعتقد البعض أن الجهد المطلوب للحفاظ عليها لا ينبغي أن يكون فلسطينيا فقط، بل عربيا ودوليا للمحافظة على هذا الشاهد الدولي على نكبة شعب.
غير أن إنهاء عمل الاونروا أو بقاءها مرتبط قانونيا بالعودة، فهل بقاء الأونروا من ناحية أخرى يعجل بتحقيق حق العودة؟ أم يؤجله؟ وماذا لو لم يتم إنشاء الاونروا؟ يتساءل اللاجئون.
ماذا لو لم يتم مد اللاجئين بالمساعدات التي تعينهم على البقاء والعيش في الأماكن الني لجؤوا إليها!
يقول البعض إن الأونروا ساهمت بشكل أو بآخر، بإقناع اللاجئين بشكل عملي بعدم ممارسة حق العودة عمليا على الأرض طمعا فيما تقدمه لهم من مساعدات.
صحيح أن الأونروا تعتبر استثمارا ناجحا في التنمية، ومن العيب أن تهمل أمريكا النتائج الرائعة التي تحققت حتى الآن وتوقف دعمها، لكن في ذات الوقت فإن الأونروا جزء من الأمم المتحدة، وليس من حق دول منفردة كأمريكا أن تحدد مصيرها، عبر الجمعية العامة التي صوتت 170 دولة ببقائها وبتمديد عملها، وستستمر في تقديم خدماتها رغم قيود التمويل، حيث لم يصدر قرار حتى الان من الأمم المتحدة بوقف عملها، وما يواجه الأونروا الآن مشكلة التمويل وليس المشكلة القرار بالاستمرار من عدمه.
لا شك أن صفقة ترامب لا تستهدف نصف الشعب الفلسطيني المصنف على قيود اللاجئين فقط، بل تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وحق هؤلاء الملايين ليس في العودة فقط، بل أيضا في الصحة والتعليم التي تقدمها الأونروا.
كل ما صدر من أمريكا هو ضمن خطة شاملة لتصفية القضية الفلسطينية، والأونروا في بؤرة الاستهداف كشاهد دولي على هذه النكبة، وما النقاط الثلاث المذكورة في صفقة ترامب، إلا كي تخلص (إسرائيل) من قضية اللاجئين بإيجاد حل خارج حدود فلسطين 1948، وهو أمر ضد القانون الدولي وضد التعامل الأخلاقي مع قضية إنسانية من هذا النوع.
الحل الأمريكي القائم على ضرورة مناقشة السلطة الصفقة كنقطة انطلاق للوصول إلى نقاط الخلاف للوصول إلى اتفاق، غير ممكن، لأن مجرد مناقشتها يعني القبول لاحقا بما ورد فيها، علما أن كل نقاطها هي ظلم وإجحاف ومخالف للقانون الدولي، فمن يعزل نفسه دوليا يا ترى، هل هي السلطة برفضها الصفقة، أم أمريكا بطرحها صفقة مخالفة للقانون وللأخلاق؟
ليس من المتوقع أن تنتهي الأونروا في وقت قريب، على الأقل حتى 2023 موعد التمديد القادم بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، مليون مريض يتلقى العلاج سنويا في عيادات الوكالة ولم تغلق الوكالة أي مدرسة بل فتحت مدارس جديدة ومستمرة في ترميم وإعادة بناء المدارس القديمة.
لكن أمريكا ستحاول خنق وتجفيف الأونروا، ما يعتبر تحديا للأونروا التي ربما تلجأ لمزيد من تقليص الخدمات، ما سيخلق مزيدا من الضغوط على جمهور اللاجئين في المخيمات.
حل قضية اللاجئين طبقا لاتفاق أوسلو كان ينص على اتفاق الاطراف حسب قرار 194 والذي كان سيكون على حساب اللاجئين، وحتى هذا الحل المتفق عليه نسفته صفقة ترامب.
ما يفعله ترامب الآن جريمة فادحة بحق اللاجئين، ليس هذا فقط بل انه يتعمد مدارس اللاجئين في القدس ومنع التمويل عنها، وأقامت (إسرائيل) مدارس بديلة تمهيدا لإغلاق مدارس الأونروا.
الأونروا غير مسؤولة عن فشل العالم في اعادة اللاجئين الفلسطينيين لمدنهم وقراهم التي هجروا منها, لكنها في ذات الوقت ساهمت في إطالة أمد اللجوء, لأن اللاجئين اكتفوا بما تقدمه الوكالة من مساعدات، عن بذل مزيد من الجهد للعودة.
وطالما أنه ليس هناك حل سياسي فيجب أن تستمر الوكالة في تقديم خدماتها الإنسانية.
95 من موظفي الوكالة هم من الفلسطينيين، فالوكالة بنت على مدار 70 عاما كادرًا إداريًا ممتازًا قادرًا على إدارة مقدرات الوكالة إذا انتهت نتيجة حل سياسي.
ليس ذنب اللاجئين أن تطول مأساتهم جيلاً بعد جيل، لكن راعي العملية السياسية لحل القضية الفلسطينية فشل في إنصاف هذه الأجيال، ثم ها هو يلجأ لشطب حقهم في العودة في تصرف غير إنساني وغير أخلاقي وغير قانوني.